وُلد الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السلام) في المدينة المنوّرة سنة 195هـ، في بيتٍ طهّره الله واختاره موضعاً للإمامة والعلم الإلهي. واقترنت ولادته بآمالٍ كبرى لدى شيعته، إذ كان الامتداد الطبيعي لخط الإمامة بعد أبيه الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام).
تميّز الإمام الجواد (عليه السلام) بكونه أصغر الأئمة سنّاً عند تولّيه منصب الإمامة، حيث استلمها وله من العمر نحو ثماني سنين، الأمر الذي شكّل امتحاناً عقدياً وعلمياً للأمة. غير أنّ مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) أكّدت أنّ الإمامة منصب إلهي لا يخضع لمقاييس الأعمار، بل لمعيار الاصطفاء والعلم اللدني. وقد تبيّن ذلك بوضوح في مناظراته العلمية مع كبار فقهاء عصره، حيث أظهر إحاطة دقيقة بالأحكام الشرعية ودقائق الاستنباط. فكان علمه شاهداً على إمامته، كما كان صغر سنّه دليلاً إضافياً على أن ما يحمله ليس نتاج تجربة بشرية. وبذلك أسقط الإمام الجواد (عليه السلام) كل التشكيكات التي أُثيرت حول إمامته، ورسّخ في الوعي الشيعي أنّ الحجة إذا نصّبها الله كانت حجة، صغيراً كان أم كبيراً. وقد مثّلت إمامته المبكرة تجديداً للاختبار الإيماني، وترسيخاً لمفهوم التسليم للنصّ الإلهي، بعيداً عن الحسابات الظاهرية. وهكذا بقي الإمام الجواد (عليه السلام) علَماً من أعلام الإمامة، ومصداقاً حيّاً لقوله تعالى: ﴿وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا﴾.