هل يختلط القرآن باللحم والدم؟
من عجائب القرآن وعظمته وإعجازه التحامه بالنفس الإنسانية وتفعاله معها واختلاطه بها ولعل أدق تعبير عن هذا التمثيل القرآني هو ما ورد في النصوص من أن القرآن يختلط بلحم القارئ ودمه إذا صدق في قراءته وأنعم الله عليه بفهم القرآن.
روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): "مَن قرأ القرآن وهو شاب مؤمن اختلط القرآن بلحمه ودمه وجعله مع السفرة الكرام البررة وكان حجيزاً عنه يوم القيامة"[1].
وللقرآن مدخلية في تكوين عقل الإنسان وإرادته وقلبه ولا يتحقق ذلك إلا أن يكون هواه قرآنياً وإرادته قرآنية وفؤاده قرآنياً وأحاسيسه قرآنية.
والانسان بفطرته السليمة عندما تطرأ عليه المعاناة والمكابدة تفرز لديه حالة قرآنية فلا يفكر ولا يريد ولا يتكلم إلا بالقرآن حتى كأن القرآن اختلط بلحمه ودمه وعندها تحصل لدى القارئ المناعة من صد الشيطان والهوى والفجور والشرك والخبائث.
ولقد عبّر الإمام الصادق (عليه السلام) أصدق وأدق تعبير عن هذه الحالة بقوله الذي يرويه الرواة عنه (عليه السلام): "وأسألك بمعاقد العز من عرشك ومنتهى الرحمة من كتابك، أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد وأن ترزقني حفظ القرآن وأصناف العلم (من القرآن) وأن تثبتها في قلبي وسمعي وبصري وأن تخالط بها لحمي ودمي وعظامي ومخي وتستعمل بها ليلي برحمتك"[2].
ولذا رسم أهل البيت (عليهم السلام) خطوطاً عريضة في كيفية قراءة القرآن والتفاعل معه ليختلط بجميع جوارح الانسان من خلال جاذبيته وانعكاساته النورانية وأصدق مثال على ذلك شخصيات أهل البيت (عليهم السلام) ومَن حذا حذوهم من وجوه الصحابة والتابعين لمسيرة القرآن العظيمة وحتى مَن كان يعيش في خدمتهم وتحت رعايتهم كفضة (رض) الخادمة في بيت أمير المؤمنين (عليه السلام). كانت لا تتكلم إلا بالقرآن ولا تجيب عندما تسئل إلا بالقرآن وهذا لا يحصل إلا لمن خالط القرآن لحمه ودمه ومخه وعظامه.
ولا شك أن تأثير هذا الاختلاط يكون في دور الشباب أسرع من غيره في أدوار الانسان الأخرى، ولذا قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصيته لابنه الإمام الحسن (عليه السلام): "وإنما قلب الحدث كالأرض الخالية" وفي هذا اشارة إلى تزكية النفس وتطهيرها وتفاعلها مع الكتاب الأقدس الذي أنزله الله تعالى على صدر نبينا محمد (صلى الله عليه وآله) ليكون رحمة للعالمين.