مناسبات الشهر
مناسبات شهر شوال 1 شوال عيد الفطر المبارك. هلاك عمرو بن العاص في مصر سنة (41هـ).   3 شوال معركة الخندق سنة (5هـ) على رواية. هلاك المتوكل العباسي بأمر ابنه المنتصر سنة (247هـ).   4 شوال غزوة حنين سنة (8هـ) على رواية. ضُربت فيه السكة (النقود) باسم الإمام الرضا (ع) سنة (201هـ). وفاة الشيخ حسين الحلي (قد) سنة (1394هـ).   5 شوال خروج أمير المؤمنين (ع) من النُّخيلة متوجهاً إلى صفين لمواجهة معاوية سنة (36هـ). وصول مبعوث الامام الحسين (ع) مسلم بن عقيل الى الكوفة سنة (60هـ).   6 شوال رد الشمس لأمير المؤمنين (ع) ببابل سنة (36هـ) بعد رجوعه من قتال الخوارج. خروج أول توقيع من الإمام المهدي (ع) إلى سفيره ونائبه الثالث الحسين بن روح النوبختي (رض) سنة (305هـ).   8 شوال الهدم الثاني لمراقد البقيع الطاهرة من قبل الوهّابيين سنة (1344هـ/ 1924م).   12 شوال وفاة الشيخ البهائي (قد) سنة (1030هـ).   13 شوال وفاة السيد حسين البروجردي (قد) سنة (1380هـ).   14 شوال هلاك عبد الملك بن مروان بن الحكم بدمشق سنة (86هـ). وفاة السيد عبد العظيم الحسني (رضوان الله عليه) سنة (252هـ). وفاة الشيخ قطب الدين الراوندي (قد) سنة (573هـ).   15 شوال معركة احد وشهادة حمزة سيد الشهداء (ع) سنة (3هـ). رد الشمس للإمام أمير المؤمنين (ع) في المدينة المنورة في مسجد الفضيخ والمعروف بمسجد رد الشمس سنة (3هـ). غزوة بني القنيقاع سنة (2هـ).   16 شوال وفاة الشيخ عبد الله المامقاني (قد) سنة (1351هـ).   17 شوال غزوة بني سليم سنة (2هـ). وفاة أبي الصلت الهروي (رض) بعد خروجه من سجن المأمون سنة (203هـ).   18 شوال وفاة الشيخ محمد بن إدريس بن أحمد الحلي (ره) المعروف بـ(ابن إدريس) سنة (598هـ). 19 شوال   20 شوال القبض على الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع) وترحيله من المدينة إلى العراق قسراً وحبسه بأمر هارون العباسي سنة (179هـ).   23 شوال وفاة السيد نعمة الله الجزائري (قد) سنة (1112هـ).   25 شوال شهادة الامام جعفر بن محمد الصادق (ع) سنة (148هـ).   27 شوال خروج النبي الأكرم (ص) الى الطائف لدعوتهم الى الإسلام.   29 شوال وفاة الشيخ الوحيد البهبهاني (قد) سنة (1205هـ).

مشايخ الرواة الذين ادّعي في حقهم أنّهم لا يروون إلاّ عن الثقات

 

  1. علي بن الحسن بن محمّد الطّائي المعروف بالطّاطري:

      وهو من الأجلاّء الثقات، فقد ذكره النجاشي، وقال عنه: كان فقيهاً، ثقة في حديثه، وكان من وجوه الواقفة وشيوخهم[1].

      وذكره الشيخ في الفهرست: كان واقفيا شديد العناد في مذهبه صعب العصبية على من خالفه من الإماميّة وله كتب كثيرة في نصرة مذهبه، وقال: إنّ له كتباً في الفقه رواها عن الرجال الموثوق بهم، وبروايتهم، ولذلك ذكرناها[2].

      ومحلّ الشاهد من عبارة الشيخ قوله: رواها عن الرجال الموثوق بهم، وبرواياتهم. وهي شهادة من الشيخ بأنّ الكتب الفقهية لعلي بن الحسن الطّاطري مرويّة عن الرجال الموثوق بهم.

      وقال في العدّة ـ عند الكلام في اعتبار الوثاقة في الحديث: «ولذلك عملت الطائفة بأخبار الفطحية مثل عبد اللّه‏ بن بكير، وغيره، وأخبار الواقفة مثل سماعة بن مهران، وعلي بن أبي حمزة، وعثمان بن عيسى، ومن بعد هؤلاء بما رواه بنو فضّال، وبنو سماعة، والطّاطريون، وغيرهم»[3]. وهذه العبارة وإن لم تكن فيها دلالة على أنّ رواياتهم كلّها موثوق بها، وانّ رواتها ثقات إلاّ أنّ فيها دلالة على أنّهم ثقات، ولذا عمل الأصحاب برواياتهم.

      والعمدة في المقام ما ذكره في الفهرست، وهو قوله: رواها عن الرجال الموثوق بهم، وبرواياتهم، وبهذه الجملة يستدلّ على أنّ جميع من يروي عنه الطّاطري كلّهم ثقات، والعبارة لها ظهور تامّ في المدّعى، كما أنّه يمكن استفادة المدّعى بدلالة المفهوم، أي أنّه لم يرو عن غير الموثوق بهم.

      والحاصل: أنّ الدعوى تامّة منطوقاً ومفهوماً، وهي شهادة عامّة على انّه لا يروي إلاّ عن الثقات، ولا يرد عليها إشكال على الاطلاق، إلاّ انّه لابدّ من تخصيصها بقيود ثلاثة تعود إلى مضمون الشهادة، وهي:

  1. أنّ الشهادة تختص بالكتب الفقهية دون غيرها من مطلق الكتب والروايات.
  2. أنّ القدر المتيقّن في وثاقة المرويّ عنهم، هم الّذين يروي عنهم بلا واسطة، وهذا بنصّ قوله: «عن الرجال الموثوق بهم»، وإن كان يحتمل الشمول للواسطة أيضاً، ولكن أخذاً بالقدر المتيقّن، يقتصر على من روى عنهم مباشرة.
  3. يقتصر على الروايات الفقهية الواردة في كتب الطّاطري، لا مطلق الروايات، وإن كانت في الفقه، وتشير إلى هذا الحصر عبارة الشيخ المتقدّمة، وعليه فلابدّ من إحراز أنّ الروايات في كتب الطّاطري لا في كتب غيره.

 

وأمّا كيفيّة إحراز انّ الروايات موجودة في كتب الطّاطري، بل وإحراز بقيّة الشروط فذلك يتم ّ عن طريق كتابي التهذيبيين وما جاء فيهما بعنوان علي بن الحسن الطائي أو الطّاطري، أو بعنوان الطّاطري، وكان مبدوءاً به السند، فمنه يعلم أنّ الرواية موجودة في كتب الطّاطري، ولمّا كان موضوع التهذيبين هو الفقه

      فالشروط الثلاثة متحقّقة. وقد تقدّم أنّ الشيخ تعهّد أنّ أوّل من يبدأ به السند فهو ينقل عن كتابه، وعليه فيمكن إحراز الموارد الّتي رواها الشيخ مبتدءاً فيها باسم الطّاطري وأنّها من كتبه.

      ثمّ إنّه بعد التتبّع لكتابي التهذيبين وقفنا على جملة من الأشخاص يروي عنهم الطّاطري بلا واسطة، وهم أحد عشر شخصاً:

  1. عبد اللّه‏ بن علي بن أبي شبعة الحلبي ـ وفي نسخة: علي بن شعبة الحلبي.
  2. علي بن أسباط.
  3. محمّد بن أبي حمزة.
  4. الحسن بن محبوب.
  5. عبد اللّه‏ بن وضاح.
  6. محمّد بن زياد (بن أبي عمير).
  7. أبو جميلة ـ وفي نسخة: عبد اللّه‏ بن جبلّة ـ وهي الصحيحة.
  8. علي بن رباط.
  9. جعفر بن سماعة.
  10. محمّد بن سكين، أو مسكين ـ على اختلاف النسخ ـ .
  11. ابن أبي حمزة، والظاهر أنّه الثالث محمّد بن أبي حمزة، فيكون عددهم أمّا عشرة، أو أحد عشر.

      وهؤلاء هم جميع من وجدناهم بدء بهم السند بعد الطّاطري في التهذيبين.

      وبناء على ما تقدّم يحكم بوثاقة هؤلاء بمقتضى شهادة الشيخ في حقّ علي بن الحسن بن محمّد الطّاطري.[4]

 

 

  1. جعفر بن بشير:

      وهو من الأجلاّء، وقد ذكر النجاشي: «أنّه من زهّاد أصحابنا وعبّادهم ونسّاكهم، وكان ثقة... وكان أبو العبّاس يلقبه فقحة العلم (قفة العلم)، روى عن الثقات، ورووا عنه»[5].

      وهو ممّن ادّعي في حقّه انّه لا يروي إلاّ عن ثقة، واستدلّ له بالجملة الأخيرة من العبارة المتقدّمة، «روى عن الثقات»، فيكون كلّ من روي عنه فهو ثقة، كما تقدّم في الطّاطري.

      وقد ناقش في الدلالة غير واحد، ومنهم السيّد الأُستاذ قدس ‏سره فقد استشكل في دلالة العبارة على المدّعى بأمرين:

      الأوّل: عدم دلالة الجملة على الحصر، فقوله: «روى عن الثقات»، لا يدلّ على انّه لم يرو عن غيرهم، وغاية ما تدّل عليه كثرة روايته عنهم، وممّا يؤكّد هذا تعقيب الكلام بقوله: «ورووا عنه» بمعنى انّ كلّ من روى عنه فهو ثقة، وهذا لا يمكن الالتزام به، والسبب أنّ الضعفاء كثيراً ما يروون عن الأجلاّء والثقات، بل عن المعصومين عليهم‏ السلام فكيف بجعفر بن بشير؟ فبقرينة قوله: «ورووا عنه» يستفاد كثرة روايته عن الثقات ورواية الثقات عنه.

      الثاني: ثبوت رواية جعفر بن بشير عن الضعفاء، فقد روى عن صالح بن الحكم، وهو ممّن ضعّفه النجاشي[6]، وكذلك وقع في طريق عبد اللّه‏ بن محمّد الجعفي، وهو ممّن ضعّفه النجاشي أيضاً[7] وغيره، وروى أيضاً عن أبن أبي حمزة، وعن أبي جميلة، ويكفي في عدم الأخذ بالشهادة روايته عن شخص واحد ضعيف، فكيف بأكثر من واحد ولا سيّما إذا كان المضعّف لبعض من روى عنهم هو النجاشي؟ وبناء عليه فلا يمكن التعويل على هذه الشهادة[8].

      أقول: كلا الاشكالين واردان:

      أمّا الأوّل: فلعدم دلالة العبارة على الحصر، كما ذكر السيّد الأستاذ قدس ‏سره مضافاً إلى أنّه في مقام المدح وهو يتحقّق بكثرة رواياته عن ا لثقات، وروايتهم عنه في مقابل من تكثر روايتهم عن الضعفاء، وتكثر رواية الضعفاء عنه، فكما أنّ الثاني يوجب القدح ولأجله أخرج البرقي من قم، فكذلك الأوّل يوجب المدح.

      وأمّا الثاني: فهو وارد أيضاً، لأنّ ثبوت روايته عن الضعيف بما ذكر وإن كان قليلاً جدّاً، ولكن لما كان الشاهد هو النجاشي، والمضعّف هو النجاشي أيضاً أوجب ذلك، الوهن في الشهادة، وحينئذ لا يكون مراده من الشهادة هو العموم لكلّ من يروي عنهم، وبما أنّ منشأ الحكم بوثاقة من روى عنهم هو الاستقراء دون الكشف عن حالهم فلا يأتي الاحتمال الثاني في المشايخ الثقات بأنّ المراد الوثاقة في نظرهم. وأما الجواب بأنّه يمكن التوجيه بأنّ المراد منهم كانوا حين الرواية وتغيروا بعد ذلك فلا يأتي هنا أيضا، وذلك من جهة أنّ الاستقراء بعد الرواية حصل من النجاشي وهو بنفسه ضعّف بعض الأشخاص فلو كان له حالتان لذكرهما، فتدبر.

      إلاّ أنّ ما ذكره السيّد الأُستاذ قدس ‏سره تأكيداً للإشكال الأوّل غير وارد، وذلك لأنّ الروايات كانت عندهم محصورة ومضبوطة فيمكنهم استكشاف حال كلّ من روى عن جعفر بن بشير، وانّه ثقة أم لا، وبعده يشهد بالشهادة المذكورة، وهذا غير أنّه يمكن للضعيف أن يروي عن الثقات، بل حتى عن المعصوم عليه ‏السلام؛ ثمّ إنّه من جهة أخرى قد يقال: إنّ منشأ الشهادة هو التحفّظ من جعفر بن بشير بأنّه كان متحرّزاً في الرواية، فلا يروي عن ضعيف، ولا يروي عنه ضعيف، ولا يحدّث إلاّ الثقات، إلاّ أنّ هذا في نفسه بعيد إذ ليس من دأب المشايخ انّهم لا يحدّثون إلاّ الثقات، نعم قد يكون من دأب بعضهم أنّه لا يروي إلاّ عن ثقة ـ كما مرّ وسيأتي ـ أمّا أنّه لا يروي عنه إلاّ الثقة، فالسيرة والعادة غير مستقرّتين على ذلك.

      والحاصل: أنّ الشهادة إمّا تكون مبنية على الكشف من حالهم، أو مبنية على الاستقراء.

      والأوّل غير حاصل بقرينة قوله: «ورووا عنه»، والثاني غير مفيد لعدم ظهورها في الحصر وأنّها وقعت موردا للنقض، فلا يمكن إدخال جعفر بن بشير في جملة من مضى ممّن لا يروون إلاّ عن الثقات.[9]

 

 

  1. محمّد بن إسماعيل بن ميمون الزعفراني:

      وهو من الثقات، فقد وثّقه النجاشي، وقال عنه: ثقة، عين، روى عنه الثقات، وروى عنهم.

      وقال أيضاً: لقي أصحاب أبي عبد اللّه‏ عليه ‏السلام، له كتاب النوادر، أخبرنا أبو عبد اللّه‏ بن شاذان، قال: حدّثنا أبو الحسن علي بن حاتم بن أبي حاتم، قال: حدّثنا عبد اللّه‏ بن محمّد بن خالد، عنه[10]، وإنّما ذكرنا الطريق إليه لما سيأتي.

     ثمّ إنّه قد ادّعي في حقه أنّه لا يروي إلاّ عن الثقات، واستدلّ له بنصّ عبارة النجاشي المتقدّمة، وهي عين عبارته في حق جعفر بن بشير إلاّ أنّ فيها تقديماً وتأخيراً، وما ذكر هناك يأتي هنا إلاّ أنّه لا يرد على الشهادة إلاّ الإشكال الأوّل فقط، وهو عدم دلالة العبارة على الحصر.

      وأمّا الإشكال الثاني: وهو ضعف بعض من روى عنهم محمّد بن إسماعيل، كما ذكر في حقّ جعفر بن بشير فغير وارد لأنّه لم يرد في الكتب الأربعة عن الزعفراني إلاّ في مورد واحد وهو في كتاب التهذيب[11] عن حمّاد بن عيسى، وهو ثقة.

      نعم، ورد في الفقيه[12]، والكافي[13] بعنوان: حمّاد بن عيسى، عن محمّد بن ميمون، فيحتمل الانطباق عليه لأنّ الزعفراني هو محمّد بن إسماعيل بن ميمون، فلعلّه سمّى باسم جدّه في كلا الكتابين، إلاّ أنّ هذا الاحتمال غير وارد، لأنّ الراوي هو حمّاد لا المروري عنه، والكلام في الثاني لا في الأوّل، فلم يرو الزعفراني في الكتب الأربعة إلاّ ما ذكرناه عن التهذيب، ثمّ إنّ ما ورد من الروايات فيهما عن حمّاد بن عيسى، وعليه فلا مجال للإشكال الثاني.

      وعلى أي تقدير فالدعوى غير تامّة لقصور الشهادة عن دلالتها على الحصر، ليحكم بوثاقة من روى عنهم محمّد بن إسماعيل.

      والّذي يمكن استفادته من طريق النجاشي ـ الّذي ذكرناه ـ إنّ القدر المتيقن هو أنّ الشهادة تشمل هذا الطريق لقوله: «روى عنه الثقات» فهذه الشهادة تختصّ بهذا الطريق، إذ الموضوع لابدّ أن يشمل مورده.

      وبناء عليه يمكن الحكم بوثاقة عبد اللّه‏ بن محمّد بن خالد، وهو الراوي المباشر عن محمّد بن إسماعيل، ولا يشمل من عداه ـ كما تقدّم الكلام في هذا المعنى ـ .

      والحاصل: أنّه يمكن الحكم بوثاقة عبد اللّه‏ بن محمّد بن خالد أخذاً بالقدر المتيقّن من شهادة النجاشي.[14]

 

 

  1. محمّد بن أبي بكر بن همّام بن سهيل الكاتب الإسكافي أبو علي:
  2. أحمد بن محمّد بن سليمان أبو غالب الزرّاري:

      وهما شيخان جليلان ادّعي في حقّهما أنّهما لا يرويان إلاّ عن الثقات، واستدلّ لهذه الدعوى بما ذكره النجاشي في حقّ جعفر بن محمّد بن مالك بن عيسى بن سابور، حيث قال: كان ضعيفاً في الحديث، قال أحمد بن الحسين: كان يضع الحديث وضعاً، ويروي عن المجاهيل، وسمعت من قال: أيضاً فاسد المذهب والرواية، ولا أدري كيف روى عنه شيخنا النبيل الثقة أبو علي بن همّام، وشيخنا الجليل الثقة أبو غالب الزرّاري رحمهما اللّه‏؟ وليس هذا موضع ذكره. انتهى[15].

      فهو بعد أن ضعّف جعفر بن محمّد بن مالك، يتعجب من هذين الشخصين لروايتهما عنه، ولو كان من دأبهما الرواية عن الضعيف لما كان للتعجب مجال، فهما لا يرويان عن الضعيف، وبهذا يستدّل على أنّهما لا يرويان إلاّ عن ثقة.

      إلاّ أنّ هذا الدليل غير تامّ، وذلك لأنّ قوله: «ولا أدري كيف روى عنه... الخ» إمّا أن يكون متفرعاً على قوله: «وسمعت من قال: كان أيضاً فاسد المذهب والرواية»، وحينئذ فالتعجب في محلّة، إذ كيف لشيخين جليلين أن يرويا عن شخص فاسد المذهب والرواية؟

      وإمّا أن يكون متفرّعاً على قول أحمد بن الحسين: كان يضع الحديث... وحينئذ لا يستلزم الحكم بأنّهما لا يرويان عن ضعيف، ثمّ أنّه على تقدير كونه متفرعا على قوله «كان ضعيفا في حديثه» فللكلام دلالة على انّهما لا يرويان عن شخص ثبت ضعفه أمّا أنّ كلّ من رويا عنه فهو ثقة فهذا لا تدلّ عليه العبارة، وهي قاصرة عن الدلالة على المدّعى، فالدعوى غير تامّة.[16]

 

 

  1. النجاشي أبو العبّاس أحمد بن علي بن أحمد بن العبّاس:

      وهو من شيوخ هذا الفن، وعليه المعوّل في علم الرجال، وقد ادّعي في حقه أنّه لا يروي إلاّ عن الثقات، واشتهرت هذه الدعوى بين المتأخرين، حتى أنّ السيّد الأُستاذ قدس ‏سره استظهر وثاقة ابن أبي جيد لأنّه من مشايخ النجاشي[17].

      واستدل لهذه الدعوى بأمور:

      الأوّل: ما يستفاد من كلام النجاشي نفسه، وأنّ سيرته كانت على التحرّز وتجنّب الرواية عن غير الثقات أو عن من ورد فيهم طعن من جهة الرواية أو غيرها، فيعلم منه أن لا يروي إلاّ عن الثقات، وقد جاء تصريح النجاشي بذلك في عدّة موارد:

  1. ما ذكره في ترجمة أحمد بن محمّد بن عبد اللّه‏ بن الحسن بن عيّاش بن إبراهيم بن أيوب الجوهري، قال فيه: كان سمع الحديث فأكثر، واضطرب في آخر عمره... إلى أن قال: «رأيت هذا الشيخ وكان صديقاً لي ولوالدي، وسمعت منه شيئاً كثيراً، ورأيت شيوخنا يضعّفونه فلم أرو عنه شيئاً وتجنبته، وكان من أهل العلم، والأدب، وطيب الشعر القوي، وحسن الخط رحمه اللّه‏ وسامحه»[18].

ونستفيد من هذا المورد علاوة على ما نحن فيه، انّ النجاشي جمع بين التضعيف والترحّم، فالقول بأنّ الترحّم على شخص علامة على التوثيق غير صحيح ـ وسيأتي الكلام في محلّه ـ . وعلى أي حال، فإنّ النجاشي لمّا رأى شيوخه يضعّفون هذا الشخص تجنّب الرواية عنه، وهذا دليل على أنّه لا يروي عن الضعيف.

  1. ما ذكره في ترجمة محمّد بن عبد اللّه‏ أبي المفضّل الشيباني، قال:... سافر في طلب الحديث عمره، أصله كوفي، وكان في أوّل أمره ثبتاً، ثمّ خلط، ورأيت جلّ أصحابنا يغمزونه ويضعّفونه، له كتب كثيرة... إلى أن قال: رأيت هذا الشيخ، وسمعت منه كثيراً، ثمّ توقفت عن الرواية عنه إلاّ بواسطة بيني وبينه[19].

فمع أنّ هذا الشيخ صرف عمره في طلب الحديث، لكن لما كان المشايخ قد ضعّفوه، فهو لا يروي عنه بالمباشرة، ويستفاد من هذا أنّهم يفرّقون في الرواية بين الواسطة وعدمها، وكأنّما يجعلون العهدة على الواسطة، وفيه بحث، ولعلّه يأتي.

  1. ما ذكره في ترجمة إسحاق بن الحسن بن بكر أنّ أبا الحسين العقراني (في بعض النسخ: العقرابي ـ بالباءـ) التمّار، قال عنه: كثير السماع، ضعيف في مذهبه، رأيته بالكوفة وهو مجاور، كان يروي كتاب الكليني عنه كان في هذا الوقت علواً أو غلواً فلم أسمع منه شيئاً[20].

وفي معنى علو يحتمل أنّ الواسطة قليلة، وهي من المرجّحات السندية كما هو متعارف عند علماء الرجال، لقلّة احتمال الخطأ، ويحتمل أنّه كان غلواً بمعنى انّ روايته للكافي وهو شاب فيه نوع غمز واتّهام، ويحتمل أن يكون بمعنى أنّه كان يعدّ غلوا لاشتمال الكافي على روايات عن محمّد بن سنان وأمثاله في فضل الأئمّة عليهم ‏السلام وربما تعدّ من الغلو ـ ولعلّه هو الأظهر ـ . والمهمّ في المقام أنّ النجاشي لم يرو عنه، لأنّه كان ضعيفاً في مذهبه.

هذا إذا لم يكن قوله: «فلم أسمع» تفريعاً على قوله: «وكان في هذا الوقت غلواً» فيكون فيه إشارة إلى الاتّهام بمعنى انّه كيف لشابّ في زمان النجاشي أن يدرك الكليني ويسمع حديثه وهو يحتاج إلى زمان طويل؟!، لأنّ الكليني متقدّم زماناً على النجاشي، وحينئذ لا ربط له بالضعف، وإن كان النجاشي قد صرّح بضعفه في مذهبه لا في روايته.

      هذا هو حاصل الدليل الأوّل، إلاّ أنّ الدليل غير تامّ لأنّ أقصى ما يفيده هو عدم روايته عمّن عرف بالضعف، وفساد المذهب، أمّا أنّه يدلّ على انّه لا يروي إلاّ عن ثقة، فالموارد المذكورة قاصرة عن إفادة هذا المعنى.

      ما ذكره في شيخية الاسكافي والزرّاري حيث تعجّب منهما روايتهما عن ضعيف فكيف يروي هو عن الضعيف، هذا وقد ذكر السيّد الأُستاذ قدس ‏سره في مقدّمة المعجم كيفيّة أُخرى للاستدلال على المدّعى، وحاصلها: أنّ النجاشي إنّما لم يرو عن هؤلاء الأشخاص الّذين ضعّفوا كما يستفاد ذلك من الموارد المذكورة، استناداً لتضعيف شيوخه لهم، بل لأنّهم ضعاف في الواقع إذ لا واسطة بين الضعيف الواقعي وبين الثقة.

      وبعبارة أُخرى: إنّ الضعيف من هؤلاء لو كان ضعفه بحسب الظاهر لأمكن تصوّر الواسطة بين الضعيف والثقة، وهو مجهول الحال، أمّا إذا كان الضعف بحسب الواقع فلا واسطة حينئذ، والنجاشي لم يرو عنهم لضعفهم واقعاً لا ظاهراً، وتضعيف شيوخه لهؤلاء ليس له موضوعية عنده، وإنّما هو طريق إلى الضعف الواقعي[21].

      ولكن هذا الاستدلال غير تام، وذلك لأنّا لو سلّمنا عدم مدخلية تضعيف مشايخ النجاشي لهؤلاء، بل هو طريق للواقع، إلاّ أنّ هذا هل يستلزم أنّ النجاشي لا يروي إلاّ عن ثقة؟

       الحق أنّه لا يستلزم ذلك، نعم المتيقّن من النجاشي أنّه لا يروي عمّن علم ضعفه، أمّا أنّ اللازم من ذلك روايته عن الثقة فقط فلا.

      فالاستدلال بما ذكره السيّد الأُستاذ قدس ‏سره غير تام، والمستفاد من الموارد المذكورة، أنّ النجاشي لا يروي عمّن علم ضعفه من طريق مشايخه، وأمّا من لم يعلم، فلا دليل على عدم روايته عنه، وإن كان في الواقع ضعيفاً.

      والخلاصة: أنّ هذا الدليل لا ينهض بإثبات المدّعي.

      الثاني: ما يستفاد من كلام النجاشي وتصريحه بأنّه لا يروي عن المشايخ الّذين ذكر في حقهم نوع تهمة أو غمز، فإنّه يتجنب الرواية عنهم، وفي هذا دلالة على ورعه وحيطته في الرواية، وتحرّزه عن الرواية عمّن يخدش فيه بأيسر خدشة، والشاهد على هذا ما ذكره النجاشي نفسه في إسحاق العقراني ـ كما تقدّم ـ فإنّه كان يروي آنذاك كتاب الكافي بوسائط قليلة وهو المعبّر عنه بعلو الاسناد ـ على أرجح القولين ـ ولمّا كان ذلك موجباً للاتهام تجنّب الرواية عنه، هذا من جهة ؛ ومن جهة أُخرى أنّ مشايخ النجاشي ـ كما يظهر ـ كان دأبهم على ذلك، يعني أنّهم لا يروون عن الضعيف، فشدّة الاحتياط والتورّع منهم في الرواية تلازم وثاقتهم، وقد مرّ أنّ النجاشي قد تعجب من محمّد بن أبي بكر بن همّام بن سهيل الكاتب الإسكافي، وأحمد بن محمّد بن سليمان أبي غالب الزرّاري ـ وهو من مشايخه‏ـ لأنّهما رويا عن جعفر بن محمّد بن مالك، وهو ضعيف.

      كما أنّ النجاشي قد ذكر عن شيخه الحسين بن عبيد اللّه‏ انّه قال عن عبيد اللّه‏ بن أبي زيد الأنباري: انّه ورد بغداد واجتهدت أن يمكّنني أصحابنا من لقائه فاسمع منه، فلم يفعلوا ذلك[22]، وذلك لأنّهم يتّهمونه بالغلوّ والارتفاع.

      فإذا كانت هذه سيرة مشايخه فكيف يتصور في حقه أن يروي عن غير الثقة؟

      والجواب عن هذا الدليل هو عين ما تقدّم في الجواب عن الدليل الأوّل، فإنّه قاصر عن إفادة المدّعى. نعم، تورّع النجاشي واحتياطه في الرواية عن المتهمين أمر لا إشكال فيه، وأمّا بالنسبة إلى غيرهم فلم يثبت ذلك، والدليل غير تامّ، ويمكن أن يجعل مؤيّداً لما سيأتي لا أنّه دليل مستقلّ.

      الثالث: ما ذكره النجاشي في ترجمة محمّد بن أحمد بن الجنيد الإسكافي أبو علي قال: وجه في أصحابنا، ثقة، جليل القدر... إلى أن قال: وسمعت بعض شيوخنا يذكر انّه كان عنده مال للصاحب عليه‏ السلام، وسيف أيضاً، وانّه وصّى به إلى جاريته، فهلك ذلك، له كتاب تهذيب الشيعة لأحكام الشريعة،... وله مسائل كثيرة، وسمعت شيوخنا الثقات يقولون عنه: إنّه كان يقول بالقياس، وأخبرونا بالإجازة بجميع كتبه ومصنّفاته. انتهى[23].

      وقال الشيخ: كان جيّد التصنيف حسنه، إلاّ أنّه كان يرى القول بالقياس، فتركت لذلك كتبه ولم يعوّل عليها، منها كتاب تهذيب الشيعة لأحكام الشريعة كبير نحو من عشرين مجلّداً[24].

      ومحلّ الشاهد هو قول النجاشي: وسمعت شيوخنا الثقات، فهذه الجملة يمكن الاستدلال بها على المدّعى ، ويحكم بوثاقة جميع مشايخ النجاشي ، فإنّ لفظ شيوخ جمع أُضيف إلى الضمير، ولفظ ثقات صفة له ، وهذا التركيب دالّ على العموم، والجملة تامّة الدلالة علي المراد ، وأمّا القول بأنّ المراد من العبارة أكثر مشايخه لا جميعهم، فهذا خلاف الظاهر، نعم إذا كانت العبارة «من شيوخنا الثقات» أو «شوخنا من الثقات» لكانت ظاهرة في التبعيض، ولكن شيوخنا الثقات ظاهرة في أنّ الوصف للجميع لا أنّه قيد احترازي، وقد تقدّم نظيره في البحث حول كتاب كامل الزيارات، وذكرنا انّ المراد هناك هم المشايخ.

      والحاصل: أنّ العبارة تامّة، والاستدلال ممّا لا إشكال فيه ولا سيّما انّ مشايخ النجاشي معروفون وعددهم محصور وقد ذكرهم السيّد الأُستاذ قدس ‏سره في المعجم[25] وهم أكثر من ستين شخصاً وإن كانوا في الواقع أقل من ذلك لتداخل بعض الأسماء وتكثرها مع اتحاد المسمّى، ونحن وإن كنّا نوافق سيّدنا الأُستاذ قدس ‏سره في النتيجة إلاّ أنّه بهذا الدليل لا بالدليل الأوّل.

      وأمّا مشايخ النجاشي فهم:

  1. أبو الحسن بن أحمد بن علي بن الحسن بن شاذان.
  2. أبو الحسن التميمي (محمّد بن جعفر التميمي).
  3. أبو الحسن النحوي (محمّد بن جعفر النحوي).
  4. أبو الحسين النصيبي (محمّد بن عثمان).
  5. أبو الحسين بن محمّد بن أبي سعيد.
  6. أبو عبد اللّه‏ الجعفي القاضي.
  7. أبو عبد اللّه‏ بن الخمري (الحسين بن الخمري).
  8. أبو عبد اللّه‏ بن شاذان (محمّد بن علي بن شاذان)
  9. أبو عبد اللّه‏ النحوي.
  10. أبو عبد اللّه‏ القزويني (محمّد بن علي بن شاذان).
  11. أبو الفرج القناني (محمّد بن الكاتب).
  12. أبو الفرج الكاتب (محمّد بن علي الكاتب).
  13. ابن الصلت الأهوازي (احمد بن محمّد الأهوازي).
  14. ابن نوح (أحمد بن علي بن نوح).
  15. إبراهيم بن مخلّد بن جعفر القاضي أبو إسحاق.
  16. أحمد بن الحسين (ابن عبيد اللّه‏ الغضائري).
  17. أحمد بن عبد الواحد بن أحمد البزّاز أبو عبد اللّه‏ (أحمد بن عبدون).
  18. أحمد بن علي الأشعري.
  19. أحمد بن علي بن طاهر.
  20. أحمد بن علي بن العبّاس (ابن نوح).
  21. أحمد بن علي بن نوح أبو العبّاس (ابن نوح) السيرافي.
  22. أحمد بن محمّد الأهوازي (ابن الصلت الأهوازي).
  23. أحمد بن محمّد بن عمران أبو الحسن (ابن الجندي).
  24. أحمد بن محمّد بن هارون (ابن الصلت الأهوازي).
  25. أحمد بن محمّد المستنشق.
  26. أحمد بن هارون (أحمد بن محمّد بن هارون).
  27. أسد بن إبراهيم بن كليب الحرّاني أبو الحسن.
  28. الحسن بن أحمد بن إبراهيم.
  29. الحسن بن محمّد بن يحيى ابن داود الفحّام أبو محمّد.
  30. الحسن بن هدبة.
  31. الحسين بن أحمد بن موسى بن هدبة (الحسين بن موسى).
  32. الحسين بن أحمد هدبة.
  33. الحسين بن الخمري الكوفي أبو عبد اللّه‏ (أبو عبد اللّه‏ بن الخمري) (الحسين بن جعفر بن محمّد المخزومي).
  34. الحسين بن عبيد اللّه‏ بن أبي غالب الرازي.
  35. الحسين بن عبيد اللّه‏ بن إبراهيم الغضائري أبو عبد اللّه‏.
  36. الحسين بن عبيد اللّه‏ القزويني.
  37. الحسين بن محمّد بن هدبة.
  38. الحسين بن موسى (الحسين بن أحمد بن موسى).
  39. الحسين بن هدبة.
  40. سلامة بن دكا أبو الخير الموصلي.
  41. العبّاس بن عمر المعروف بابن مروان الكلوذاني.
  42. العبّاس بن عمر بن العبّاس بن محمّد بن عبد الملك الفارسي الدهقان.
  43. عبد السلام بن الحسين الأديب.
  44. عبد السلام بن الحسين بن محمّد بن عبد اللّه‏ البصري أبو أحمد.
  45. عبد الواحد بن مهدي أبو عمر.
  46. علي بن أحمد (ابن العبّاس النجاشي) والده.
  47. علي بن أحمد بن أبي جيد.
  48. علي بن أحمد بن طاهر أبو الحسين القمّي.
  49. علي بن أحمد بن محمّد بن أبي جيد.
  50. علي بن أحمد بن محمّد بن طاهر الاشعري القمّي أبو الحسين.
  51. علي بن أحمد القمّي.
  52. علي بن شبل بن أسد.
  53. علي بن محمّد بن يوسف أبو الحسن القاضي (النحوي).
  54. محمّد بن جعفر الأديب (النحوي).
  55. محمّد بن جعفر التميمي (أبو الحسن التميمي).
  56. محمّد بن جعفر المؤدّب (النحوي).
  57. محمّد بن جعفر النجّار.
  58. محمّد بن جعفر النحوي (أبو الحسن النحوي).
  59. محمّد بن عثمان بن الحسن القاضي أبو الحسن (أبو الحسين النصيبي).
  60. محمّد بن علي (أبو عبد اللّه‏ بن شاذان).
  61. محمّد بن علي بن خشيش التميمي المقري.
  62. محمّد بن علي بن شاذان أبو عبد اللّه‏ (أبو عبد اللّه‏ بن شاذان).
  63. محمّد بن علي الكاتب (أبو الفرج القناتي) (أبو الفرج الكاتب).
  64. محمّد بن محمّد بن النعمان (الشيخ المفيد).
  65. هارون بن موسى بن أحمد بن سعيد (ابو محمّد التلعكبري).[26]

 

 

  1. أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري:

      وهو من الأجلاّء الثقات، وشيخ القمّيين ووجههم وفقيههم غير مدافع[27]، وقد أدّعي في حقّه أنّه لا يروي إلاّ عن ثقة، واستدلّ على ذلك بأنّه كان حريصاً على عدم الرواية عن الضفعاء، والشاهد إخراجه لأحمد بن محمّد بن خالد البرقي من مدينة قم لأنّه كان يروي عن الضعفاء.

      وذكر العلاّمة عن ابن الغضائري أنّه ـ أي البرقي ـ في نفسه لا بأس به ولكن طعن عليه القميّون، وليس الطعن في شخصه وإنّما الطعن في من روى عنه فإنّه كان لا يبالي عمّن يأخذ على طريقة أهل الأخبار[28]. ثمّ إنّ أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري أخرجه من قم ثمّ أعاده إليها، واعتذر إليه، وندم على فعله، وقيل: إنّه مشى في جنازته حافياً[29] حاسراً ليبرأ نفسه ممّا قذفه به، ومن هذا يعلم شدّة حرصه واهتمامه بعدم الرواية عن الضعيف. وأمّا مسألة إرجاعه البرقي إلى قم واعتذاره إليه فهذا أمر آخر يحتاج إلى تتبّع، إذ من المحتمل تبيّن الحال لأحمد بن محمّد بن عيسى وانّ رواية البرقي عن الضعفاء غير قادحة في وثاقته، أو أنّ الأمر مجرّد اتّهام انكشف للأشعري خلافه. وعلى أيّ تقدير فالمستفاد انّ أحمد بن محمّد بن عيسى كان شديد الحيطة والحذر في الرواية عن الضعفاء.

      ويمكن أن يستشهد أيضاً لهذه الدعوى بما رواه النجاشي، عن الكشّي، عن نصر بن الصباح، قال: ما كان أحمد بن محمّد بن عيسى يروي عن ابن محبوب من أجل أنّ أصحابنا يتّهمون ابن محبوب في روايته عن أبي حمزةـ وفي نسخة: ابن أبي حمزة ـ قال: ثمّ تاب ورجع عن هذا القول. قال ابن نوح: وما روى عن ابن المغيرة ـ وهو عبد اللّه‏ كما نصّ عليه الكشّي ـ ولا عن الحسن بن خرّزاذ. انتهى[30].

      والحال انّ الحسن بن محبوب، وعبد اللّه‏ بن المغيرة، والحسن بن خرّزاذ، من الثقات الأجلاّء، أمّا عدم روايته عن ابن محبوب، فإن كان المقصود من أبي حمزة الّذي يروي عنه ابن محبوب هو الثمالي كما هو المذكور في كلام النجاشي فهو من السابقين وابن محبوب أصغر سنّاً من أن يروي عن الثمالي، ولذلك تستبعد روايته عنه، وعلى فرضها يكون ابن محبوب حينئذ مورداً للاتّهام، وقد تقدّم نظير هذا في بعض المعاصرين للنجاشي، وإن كان المقصود هو البطائني فلانّه ضعيف في نظره، وعدم رواية الأشعري عن ابن محبوب لأنّه يروي عن البطائني الضعيف.

      والأظهر أنّ المقصود هو الأوّل ـ أي الثمالي ـ ولذلك كان ابن محبوب مورداً للاتّهام، إلاّ أنّ الاشعري تاب وانكشف له الخلاف، وصار يروي عنه بعد ذلك، وأمّا مناط التوبة وكيفية الانكشاف فهذا أمر آخر كما ذكرنا في حاله مع البرقي.

      وأمّا عدم روايته عن عبد اللّه‏ بن المغيرة، عن الحسن بن خرّزاذ فلم يذكر وجهه ولابدّ من البحث. والحاصل: أنّ أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري لا يروي عن الضعيف أو المتّهم بشيء، أو المطعون في روايته وإن كان في نفسه ثقة، وبناء على ذلك فهو لا يروي إلاّ عن الثقات.

      هذا غاية ما يمكن أن يستدلّ به على المدّعى.

      إلاّ أنّ هذا الدليل مخدوش من جهتين:

      الأولى: من جهة الدلالة، فإنّ أقصى ما يفيده الدليل أنّه لا يروي عن الضعيف أو المتّهم، أمّا دلالته على أنّه لا يروي إلاّ عن ثقة فلا، وبينهما فرق كما لا يخفى.

      ولا دلالة فيما فعله أحمد بن محمّد من إخراجه للبرقي من قم، وكذا عدم روايته عن ابن محبوب أو غيره على ذلك، نعم هذه الأمور تدلّ على انّه لا يروي عن الضعيف أو المتّهم كما ذكرنا فهنا واسطة في البين ومع تحققها فلا دلالة على الحصر، فلا تكون الدعوى تامّة لقصورها عن إفادة المدّعى.

      الثانية: انّ هذا منقوض بما ثبت من أنّ أحمد بن محمّد بن عيسى قد روى عن الضعفاء، كما ذكر السيّد الأُستاذ قدس ‏سره في المعجم فإنّ الأشعري قد روى عن محمّد بن سنان، وعلي بن حديد، وإسماعيل بن سهل، وبكر بن صالح[31]، ولكن يمكن أن يقال: انّ محمّد بن سنان، وعلي بن حديد هما ممّن وقع الخلاف فيهما ـ وسيأتي الحديث عنهماـ .

      وأمّا إسماعيل بن سهل فهو وإن قال عنه النجاشي: «ضعّفه أصحابنا» إلاّ أنّه واقع في إسناد تفسير علي بن إبراهيم القمّي[32] فيكون من موارد التعارض، على مبناه، فإنّه واقع في القسم الثاني من التفسير.

      ثمّ إنّ قول النجاشي: «ضعّفه أصحابنا» لا يتلاءم مع رواية أحمد بن محمّد بن عيسى عنه، إلاّ أن يجمع بينهما بأنّ التضعيف إنّما هو لعقيدته لا في روايته، وإن كان هذا خلاف الظاهر لأنّ مورد الكلام هو الرواية لا العقيدة.

      وعليه فإن أمكن الجمع بهذا فلا ينقض على الدعوى وإلاّ فهو أحد مصاديق النقض.

      وأمّا بكر بن صالح فهو وإن ضعّفه النجاشي أيضاً ولم يذكر الشيخ والبرقي في حقّه شيئاً إلاّ أنّه واقع في أسناد القمّي[33]، فيكون حاله حال إسماعيل ابن سهل.

      والحاصل: إنّه إن قلنا إنّ هؤلاء الأربعة هم محلّ الخلاف، فالجهة الثانية من الإشكال غير واردة، ولا مجال للنقض بها على الدعوى، لاحتمال أن يكون هؤلاء الأربعة ثقات في نظر أحمد بن محمّد بن عيسى، وإن كانوا ضعافاً في نظر غيره، وهو غير ضائر، إلاّ أنّ الجهة الأولى من الإشكال واردة فإنّ الدلالة قاصرة عن إثبات المدّعى، ولا يمكن الالتزام بالدعوى في حقّه.[34]

 


[1]- رجال النجاشي: ج 2: 78، الطبعة الأولى المحقّقة.

[2]- الفهرست: 118، الطبعة الثانية.

[3]- عدّة الأصول: 1: 381، الطبعة الأولى المحقّقة.

-[4] أصول علم الرجال ج2 ص 227 - 229

[5]- رجال النجاشي: 1: 298، الطبعة الأولى المحقّقة.

-[6] رجال النجاشي: 1: 444، الطبعة الأولى المحقّقة.

[7]- ن . ص: 1: 315.

[8]- معجم رجال الحديث: 1: 68، الطبعة الخامسة.

[9]- أصول علم الرجال ج2 ص 230 – 232

[10]- رجال النجاشي: 2: 238، الطبعة الأولى المحقّقة.

[11]- تهذيب الأحكام: 4: 111، باب تمييز أهل الخمس ومستحقه ممّن ذكر اللّه‏ في القرآن، الحديث 3، دار التعارف للمطبوعات.

[12]- من لا يحضره الفقيه: 2: 239، باب الوقت الّذي إذا أدركه الإنسان يكون مدركاً للتمتع، الحديث 2، دار التعارف للمطبوعات.

[13]- فروع الكافي: 2: 446، باب الوقت الّذي تفوت فيه المتعة، الحديث 2، دار التعارف للمطبوعات.

[14]- أصول علم الرجال ج2 ص 233 – 234

[15]- رجال النجاشي: 1: 302، الطبعة الأولى المحقّقة.

[16]- أصول علم الرجال ج2 ص 235

[17]- معجم رجال الحديث: 12: 277، الطبعة الخامسة.

-[18] رجال النجاشي: 2: 322، الطبعة الأولى المحقّقة.

[19]- رجال النجاشي: 2: 322، الطبعة الأولى المحقّقة.

[20]- ن . ص: 1: 199.

[21]- معجم رجال الحديث: 1: 50، الطبعة الخامسة.

-[22] رجال النجاشي: 2: 42، الطبعة الأولى المحقّقة.

[23]- رجال النجاشي: 2: 310، الطبعة الأولى المحقّقة.

[24]- الفهرست: 160، الطبعة الثانية.

[25]- معجم رجال الحديث: 2: 127، الطبعة الخامسة.

[26]- أصول علم الرجال ج2 ص 236 - 245

[27]- رجال النجاشي: 1: 217، الطبعة الأولى المحقّقة.

[28]- رجال العلاّمة: 14، الطبعة الثانية.

-[29] ن . ص: 14.

[30]- رجال النجاشي: 1: 217، الطبعة الأولى المحقّقة.

[31]- معجم رجال الحديث: 1: 67، الطبعة الخامسة.

[32]- تفسير القمّي: 1: 315، الطبعة الأولى المحقّقة.

[33]- ن. ص: 1: 61.

[34]- أصول علم الرجال ج2 ص 246 - 249

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: طلب العلم فريضة.                                                                                                                                                            الكافي

الفيديو

دور التربويين في تحقيق غاية الدين - شيخ ستار الدلفي
2019 / 03 / 24 4526

دور التربويين في تحقيق غاية الدين - شيخ ستار الدلفي

أخر الأخبار

الصوتيات

2018/3/15

سورة الفرقان

2018/3/15

سورة النور

2018/3/15

سورة المؤمنون

2018/3/15

سورة الحج



الصور