الوكالة عن الإمام عليه السلام
ادّعى بعضهم أنّ الوكالة عن الإمام عليه السلام دليل على الوثاقة مطلقاً، أي سواء كانت في القضايا الشخصّية كالخادم والبواب والقيّم، أو كانت في القضايا العامّة كالأُمور الدينية والمالية ونحوهما، وإليه ذهب العلاّمة المامقاني قدس سره[1]، بل عن الوحيد قدس سره أنّها من أقوى امارات المدح، بل الوثاقة والعدالة[2].
وادّعى آخرون عدم الدلالة مطلقاً، وإليه ذهب السيّد الأُستاذ قدس سره[3].
وثالث الأقوال التفصيل، وهو الأرجح ـ كما سيأتي ـ .
وقد استدل للقول الأوّل بأمرين:
الأوّل: بالرواية الواردة في الأمر بالارجاع إلى الحاجز بن يزيد. روى الكليني رحمه الله، عن علي، عن محمّد، عن الحسن بن عبد الحميد، قال: شككت في أمر حاجز فجمعت شيئاً، ثمّ صر إلى العسكر فخرج إليّ: ليس فينا شكّ، ولا في من يقوم مقامنا بأمرنا، ردّ ما معك إلى حاجز بن يزيد[4]. فبقوله عليه السلام: «ليس فينا شكّ، ولا في من يقوم مقامنا بأمرنا» يستدلّ على أنّ الوكيل عن الإمام عليه السلام يعامل معاملة الوثوق والاطمئنان.
الثاني: الدليل العقلي، وحاصله: أنّ العادة والسيرة العرفية جرت على أنّ الإنسان لا يوكّل في أُموره إلاّ من كان موثوقاً به ومطمئناً اليه، وإذا كان هذا حال سائر الناس فكيف بالإمام عليه السلام؟
وقد ناقش السيّد الأُستاذ قدس سره في كلا الدليلين.
أمّا الرواية: فهي مورد للإشكال سنداً ودلالة، ففي السند: الحسن بن عبد الحميد، وهو ممّن لم يوثّق، ولم يذكر بمدح ولا ذمّ، وليس له في الكتب الأربعة غير هذه الرواية.
وفي الدلالة: من جهة أنّ قوله عليه السلام: «من يقوم مقامنا» ناظر إلى من كان في مقام النيابة عنهم عليهم السلام، كالنّواب والسفراء من قبلهم عليهم السلام.
وأمّا الدليل العقلي: ففيه:
أوّلاً: لا ملازمة بين الوكالة والوثاقة، فمن الجائز أن يوكّل الإنسان فاسقاً، وقد قام الإجماع على ذلك، والظاهر نفي الملازمة عقلاً وشرعاً بقرينة الإجماع.
وثانيا: انّه ورد الذمّ في بعض الوكلاء، بل صنّف الوكلاء إلى ممدوحين ومذمومين، وهذا كاشف عدم الملازمة بين الوكالة والوثاقة، فهذا الدليل ساقط عن الاعتبار[5].
ونحن وإن كنّا نوافق السيّد الأُستاذ قدس سره فيما ذكره بالنسبة إلى سند الرواية لعدم توثيق الحسن بن عبد الحميد، إلاّ انّ ما أفاده من جهة الدلالة محلّ نظر، وذلك لأنّ قوله عليه السلام: «من يقوم مقامنا»، مطلق ولا اختصاص له بأمر دون آخر، فلا وجه لتخصيص الرواية بما إذا كانت الوكالة على سبيل النيابة، بل تشمل جميع الأُمور يسيرة كانت أو خطيرة.
وأمّا الدليل العقلي: فالظاهر انّه يمكن القول بالتفصيل وانّ الوكالة في دلالتها على التوثيق، وعدمه تختلف بحسب الموارد، فإن كانت في الأمور الشخصيّة كالبّواب والخادم القيّم فلا دلالة فيها على الوثاقة، وإن كنت في الأمور الدينيّة والقضايا المالية، أو كانت على نحو العموم كالوكلاء الأربعة، فلا نوافق على عدم الحكم بالوثاقة، بل قد تكون فوق الوثاقة، فلا يمكن أن يولّي الإمام عليه السلام أحداً على ناحية من النواحي، أو في أمر ديني أو نحو ذلك، وهو غير ثقة، وذلك للدليل العقلي، لكن لا من حيث الملازمة العقلية، بل من حيث الملازمة العادية، أي بمقتضى السيرة العرفية، وعادة العقلاء وسيرة أهل الشرع أنّ الوكيل في مثل هذه القضايا ثقة، فكيف بالإمام وهو سيّدهم؟
ولو جوّزنا للمعصوم عليه السلام أن يتّخذ شخصاً غير عادل وكيلاً عنه، لكان فيه مهانة وهتك للدين، ويجلّ مقام الإمام عليه السلام من ذلك.
وممّا يؤيد: أنّ من سوّلت له نفسه وادّعى الوكالة زوراً عن الأئمة عليهم السلام، لم يسكتوا على ذلك بل بادروا للتكذيب، وإصدار التوقيعات المكذّبة للدعوى الباطلة، حذراً من وقوع الفساد في الدين، فكيف يمكن الالتزام بأنّ الإمام يسكت عن وكيل يضع الأحاديث، ويضلل الناس من دون أن يظهر أمره؟
وممّا يؤيد أيضاً: ما ورد في بعض الروايات الدالة على منزلة الوكيل عند الإمام عليه السلام ، ومنها: ما اورده الشيخ بسند صحيح في كتاب الغيبة عن ابن أبي جيّد، عن أبي الوليد، عن الصفّار، عن محمّد بن عيسى، قال: كتب أبو الحسن العسكري عليه السلام إلى الموالي ببغداد والمدائن والسواد وما يليها: «قد أقمت أبا علي بن راشد مقام علي بن الحسين بن عبد ربّه، ومن قبله من وكلائي، وقد أوجبت في طاعته طاعتي، وفي عصيانه الخروج إلى عصياني ...»[6] وفي رواية أُخرى طويلة : «وصار في منزلته عندي، وولّيته، ما كان يتولاّه غيره من وكلائي قبلكم، ليقبض حقي، وارتضيته لكم، و قدّمته على غيره في ذلك، وهو أهله وموضعه.... الخ»[7].
وبناء على هذا فإذا كان الوكلاء عن الأئمة عليهم السلام في الأُمور الدينية أو كانت الوكالة عامّة حكم بوثاقتهم، وقبلت رواياتهم، وقد نصّ الرجاليّون على من ثبتت وكالته عن الإمام عليه السلام، وأمّا إذا كانت الوكالة عن الأئمة عليهم السلام في الأمور الشخصيّة كالبّواب والخادم والقيّم فلا يمكن الحكم بالوثاقة، لأنّ هذه الأُمور لا توجب التوثيق، ومجرّد الانتساب للإمام بأحد هذه الأسباب لا يقضي الوثاقة.
ثمّ إنّ المنصرف من إطلاق الوكيل إلى القسم الأوّل وهم الوكلاء في الأمور الدينيّة، والقضايا العامّة، لا إلى الوكلاء في الأُمور الشخصيّة. كما أنّ الرجاليين يميّزون بين الوكيل وغيره في تعبيراتهم.
وأمّا ما ذكره السيّد الأُستاذ قدس سره: من أنّ بعض الوكلاء ورد في حقه الذمّ فهذا لا نقض فيه، لأنّه حين التوكيل كان عادلاً، ثمّ تبدّل حاله، فالاشكال غير وارد، فالّذي يقوى في النفس هو القول بالتفصيل بحسب الموارد فكلّ من أُطلق عليه الوكيل... فهو ثقة.
وقد ذكر الشيخ في كتاب الغيبة، بعض وكلاء الأئمة عليهم السلام الممدوحين، فهم وغيرهم ممّن ثبتت وكالتهم عن الأئمة عليهم السلام محكومون بالوثاقة.
وتتميماً للفائدة نورد أسماء بعض من ثبت أنّه وكيل عن الأئمة عليهم السلام، وهم:
1 ـ أيّوب بن نوح بن درّاج.
2ـ أبو علي بن راشد (الحسن بن راشد).
3 ـ أبو القاسم الحسين بن روح النوبختي.
4 ـ حمران بن أعين.
5 ـ زكريّا بن آدم.
6 ـ سعد بن سعد.
7 ـ صفوان بن يحيى.
8 ـ عبد الرّحمن بن الحجاج.
9 ـ عبد العزيز بن المهتدي القمّي الأشعري.
10 ـ عبد اللّه بن جندب البجلي.
11 ـ أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري.
12 ـ علي بن جعفر الهماني.
13 ـ علي بن الحسين بن عبد ربّه.
14 ـ أبو الحسن علي بن محمّد السمّري.
15 ـ علي بن مهزيار الأهوازي.
16 ـ أبو جعفر محمّد بن عثمان بن سعيد العمري.
17 ـ محمّد بن سنان.
18 ـ المعلّى بن خنيس.
19 ـ المفضّل بن عمر.
20 ـ نصر بن قابوس اللخمي.
21 ـ يونس بن يعقوب (كان يتوكل لأبي الحسن عليه السلام).
22 ـ إبراهيم بن عبده.
23 ـ أحمد بن إسحاق القمّي.
24 ـ المحمودي (إبراهيم بن عبده).
25 ـ الأسدي (محمّد بن أبي عبد ربّه الكوفي).
26 ـ حاجز بن يزيد (بغدادي).
27 ـ البسامي (من أهل الري).
28 ـ البلالي (محمّد بن علي بن بلال البغدادي).
29 ـ العطّار (بغدادي).
30 ـ العاصمي (عيسى بن جعفر بن عاصم) كوفي.
31 ـ الدهقان.
32 ـ القاسم بن العلاء (من آذربيجان).
33 ـ محمّد بن إبراهيم بن مهزيار الأهوازي.
34 ـ محمّد بن صالح الهمداني.
35 ـ محمّد بن شاذان النيسابوري.
36 ـ القاسم بن محمّد بن علي بن إبراهيم الهمداني.
37 ـ محمّد بن علي بن إبراهيم الهمداني.
38 ـ علي بن إبراهيم الهمداني.
39 ـ إبراهيم بن محمّد الهمداني.
40 ـ بسطام بن علي.
41 ـ عزيز بن زهير.
42 ـ الحسن بن هارون بن عمران الهمداني.
43 ـ أبو عبد اللّه هارون بن عمران الهمداني.
44 ـ عيسى شلغان (من وكلاء أبي عبد اللّه عليه السلام).
45 ـ ابن بند.
وغيرهم ممّن يعلم بالتتبّع والفحص.[8]
-[1] مقباس الهداية في علم الدراية: 2: 259، الطبعة الأولى المحقّقة.
[2]- ن. ص: 258.
[3]- معجم رجال الحديث: 1: 71، الطبعة الخامسة.
[4]- أصول الكافي: 1: 521، الحديث 14، مطبعة الحيدري ـ طهران.
[5]- أنظر: معجم رجال الحديث: 1: 72، الطبعة الخامسة.
-[6] كتاب الغيبة: 212، الطبعة الثانية.
[7]- رجال الكشّي: 2: 800، مؤسسة آل البيت عليهم السلام.
[8]- أصول علم الرجال ج2 ص 298 - 305