مناسبات الشهر
مناسبات شهر شوال 1 شوال عيد الفطر المبارك. هلاك عمرو بن العاص في مصر سنة (41هـ).   3 شوال معركة الخندق سنة (5هـ) على رواية. هلاك المتوكل العباسي بأمر ابنه المنتصر سنة (247هـ).   4 شوال غزوة حنين سنة (8هـ) على رواية. ضُربت فيه السكة (النقود) باسم الإمام الرضا (ع) سنة (201هـ). وفاة الشيخ حسين الحلي (قد) سنة (1394هـ).   5 شوال خروج أمير المؤمنين (ع) من النُّخيلة متوجهاً إلى صفين لمواجهة معاوية سنة (36هـ). وصول مبعوث الامام الحسين (ع) مسلم بن عقيل الى الكوفة سنة (60هـ).   6 شوال رد الشمس لأمير المؤمنين (ع) ببابل سنة (36هـ) بعد رجوعه من قتال الخوارج. خروج أول توقيع من الإمام المهدي (ع) إلى سفيره ونائبه الثالث الحسين بن روح النوبختي (رض) سنة (305هـ).   8 شوال الهدم الثاني لمراقد البقيع الطاهرة من قبل الوهّابيين سنة (1344هـ/ 1924م).   12 شوال وفاة الشيخ البهائي (قد) سنة (1030هـ).   13 شوال وفاة السيد حسين البروجردي (قد) سنة (1380هـ).   14 شوال هلاك عبد الملك بن مروان بن الحكم بدمشق سنة (86هـ). وفاة السيد عبد العظيم الحسني (رضوان الله عليه) سنة (252هـ). وفاة الشيخ قطب الدين الراوندي (قد) سنة (573هـ).   15 شوال معركة احد وشهادة حمزة سيد الشهداء (ع) سنة (3هـ). رد الشمس للإمام أمير المؤمنين (ع) في المدينة المنورة في مسجد الفضيخ والمعروف بمسجد رد الشمس سنة (3هـ). غزوة بني القنيقاع سنة (2هـ).   16 شوال وفاة الشيخ عبد الله المامقاني (قد) سنة (1351هـ).   17 شوال غزوة بني سليم سنة (2هـ). وفاة أبي الصلت الهروي (رض) بعد خروجه من سجن المأمون سنة (203هـ).   18 شوال وفاة الشيخ محمد بن إدريس بن أحمد الحلي (ره) المعروف بـ(ابن إدريس) سنة (598هـ). 19 شوال   20 شوال القبض على الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع) وترحيله من المدينة إلى العراق قسراً وحبسه بأمر هارون العباسي سنة (179هـ).   23 شوال وفاة السيد نعمة الله الجزائري (قد) سنة (1112هـ).   25 شوال شهادة الامام جعفر بن محمد الصادق (ع) سنة (148هـ).   27 شوال خروج النبي الأكرم (ص) الى الطائف لدعوتهم الى الإسلام.   29 شوال وفاة الشيخ الوحيد البهبهاني (قد) سنة (1205هـ).

دراسة موضوعية في ظلامات خير البرية

السيد علي الميالي

 

بسم الله الرحمان الرحيم

      قال عز من قائل: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)

 

      شكر وثناء:

      اود في هذه العجالة ان اقدم خالص الشكر والامتنان الى استاذ بذل الغالي والنفيس في سبيل نشر فن الكتابة واحياءه بعدما غلب على طابعه العام الركاكة في الاسلوب وندرة الممارسين له ولم يتوانى رعاه الله عن ايصال هذا الفن الى ابسط الطلبة لديه مع ما في ذلك من المشقة والجهد والعناء وهو الاستاذ العلم الشيخ عادل حفظه الله وسدد خطاه.

 

      إهداء:

      إلى صاحب السكينة المدفون بالمدينة المتحمل الويلات والشدائد والصعوبات لنشر دين السماوات وهدي البرية الى الهدى والخيرات محمد بن عبد الله (صلى الله عليه واله وزاد في البركات).

 

مقدمة

بسم الله الرحمان الرحيم

      وصلى الله على اشرف الانبياء والمرسلين محمد واله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين من الاولين والاخرين الى قيام يوم الدين سيما الجبت والطاغوت.

      اما بعد ...

      فان الانبياء قد تحملوا الويلات والآهات وشديد المعانات في سبيل نشر ما كلفوا به وهدم البدع والضلالات فمنهم من احرق بالنار ومنهم من نشر بالمناشير ومنهم من عذب اشد العذاب، ولكن مع كل ما حصل للأنبياء السابقين نجد نبينا نبي الرحمة (صلى الله عليه واله) يقول ما اوذي نبي مثل ما اوذيت فيا ترى اي اذية تلك التي حاقت بالنبي (صلى الله عليه واله) واي بلاء عظيم نزل به روحي فداه

       فلعل من ينظر نظرة سطحية للتاريخ لا يجد تلك المعانات والاذية في حياة النبي (صلى الله عليه واله) التي تفوق ما تعرض له الانبياء السابقون لكن الامر اكبر من ذلك وادق لان شدة المعاناة والاذية تتناسب مع مدى الادراك والظروف الموضوعية وسنفصل ذلك كله ان شاء الله تعالى في المباحث القادمة في فصول حيث سنعرض في الفصل الاول مدى صحة هذا الحديث الشريف وماهي دلالته ثم سنشرع في الفصل الثاني في بيان هذه المعانات التي لا قاها (صلى الله عليه واله) والله الموفق ومنه السداد ونساله القبول.

 

الفصل الاول: مناقشة الحديث سندا ودلالة

      توطأة:

      قبل الدخول في البحث لا بد من توطئة ميسرة نبحث فيها عن الامور التي يمكن ان تفيد اعتبارا في الحديث والذي يعنينا هنا هو بحث المشهور والمرسل.

      وذلك لاننا لم نجد سندا يمكننا الاعتماد عليه في اثبات الحديث المدروس لكن طرق الاعتبار اعم من الاسناد فيمكن اثبات اعتباره على نحو اخر كما سياتي بيانه:

      اولا: الشهرة: وهي على قسمين: شهرة في الفتوى بان يكثر القائل بها دون الاجماع وهذه على قسمين فتوائية وعملية والعملية هي ان يكثر القائل بالراي الذي يعلم استناده الى رواية.

      وشهرة في الرواية بان يكثر راويها دون التواتر.

      وقد حقق الاصوليون القسمين وما يعنينا الثاني والثاني من الاول حيث اثبت في محله انهما يفيدان اعتبارا في الرواية وان كان سندها ضعيفا.

      ومن اشهر من حقق المسالة الشيخ المظفر حيث قال: (أما من جهة جبر الشهرة[1] للخبر الضعيف مع قطع النظر عن وجود ما يعارضه فقد وقع نزاع للعلماء فيه. والحق أنها جابرة له إذا كانت قديمة أيضا، لأن العمل بالخبر عند المشهور من القدماء مما يوجب الوثوق بصدوره. والوثوق هو المناط في حجية الخبر، كما تقدم. وبالعكس من ذلك إعراض الأصحاب عن الخبر، فإنه يوجب وهنه وإن كان راويه ثقة وكان قوي السند، بل كلما قوي سند الخبر فأعرض عنه الأصحاب كان ذلك أكثر دلالة على وهنه.

      وأما الثانية: -وهي الشهرة في الرواية- فإن اجماع المحققين قائم على الترجيح بها، وقد دلت عليه المقبولة المتقدمة، وقد جاء فيها "فإن المجمع عليه لا ريب فيه" والمقصود من "المجمع عليه" المشهور)[2].

 

      ثانيا: المرسل: وله معنى عام وخاص والاول ما حذفت رواته اجمع او بعضها واحدا او اكثر والخاص ما رواه خصوص التابعي عن النبي (صلى الله عليه واله).[3]

      واختلفت كلمة الفقهاء في حجيته فذهب بعض الى حجيته مطلقا وذهب الاغلب الى عدم الحجية الا في موارد استثوها.

      قال الشيخ عبد الله المامقاني بعد ان ذكر حجة كل من المثبتين والمانعين ما نصه: (نعم يستثنى من ذلك ما اذا كان المرسل متلقى بين الاصحاب بالقبول فانه حجة على الاظهر، لكشف علمهم به، وتلقيهم له بالقبول عن قرينة قوية على صدوره عن المعصوم، فلا يقصر عن المسند الصحيح.

      ثم ان جمعا من المانعين منهم الشيخ في العدة، والعلامة في النهاية، والشهيد في الذكرى، والمحقق البهائي في الزبدة وجمع من فقهاء الاواخر ككاشف الرموز والمحقق الاردبيلي وصاحب الذخيرة والشيخ البهائي والمحقق الشيخ علي والشيخ الحر و ... غيرهم استثنوا من ذلك المرسل الذي عرف ان مرسله العدل متحرز عن الرواية عن غير الثقة كابن ابي عمير)[4].

      فتحصل من ذلك ان المراسيل تكون حجة عند المانعين اذا علم تلقي المشهور لها بالقبول بان لم يناقشوا في صحتها او ان المرسِل لا يرسل الا عن ثقة.

 

      المبحث الاول: سند الحديث والطريق الى اعتباره:

      اولا: في طريق الخاصة:

      ورد هذا الحديث في كتاب مناقب ال ابي طالب لابن شهر اشوب (قد) دون سند ففي المصدر المذكور قال: (وقال المصطفى ما اوذي نبي مثل ما اوذيت)[5] ويمكن ان نقول باعتباره من وجهين:

      1- شهرة الحديث التي توجب الوثوق بصدوره ويؤيد ذلك ان العالم الشهير علي بن شهر اشوب التزم في المناقب ان يحذف اسانيد الروايات وعلل ذلك بكونها مشهورة واشار الى اسانيد جميع رواياته إجمالا في مقدمته.

      قال: (وقد قصدت في هذا الكتاب من الاختصار، على متون الاخبار، وعدلت عن الاطالة والاكثار، والاحتجاج من الظواهر والاستدلال على فحواها ومعناها، وحذفت اسانيدها لشهرتها ولاشارتي إلى رواتها وطرقها والكتب المتتزعة منها، لتخرج بذلك عن حد المراسيل وتلحق بباب المسندات)[6].

      اقول: ان نقله (قد) بان الاخبار مشهورة حجة لعدالة المخبر الموجبة لحجية نقله فثبت بذلك كون الحديث مشهور شهرة روائية توجب الاطمئنان بصدوره كما قررناه في التوطئة.

      لكن لعل فيه تأمل من حيث ان هذا يوجب اعتبار جميع ما ورد في الكتاب ولا قائل به والله العالم.

      اما قوله ان اشارته الى اسانيد ومراجع الاحاديث تخرجها عن الارسال الى المسانيد فممنوع لان الاسانيد ذكرت اجمالا ولا يُعلم ايُها لأيِّها لكي يتسنى للباحث النظر في صحة السند فهذا هو ما يميز المسند عن المرسل ان له سندا يمكننا ان ننظر فيه.

      فالاحاديث باقية في حيز الشهرة والارسال ونرى ان مثل هذا الصنيع مخل بالمطلوب والله العالم.

      2- انه مرسل مقبول لدى جمهور اهل العلم فانه قد نُقل في اسفار العلماء ولم يخدشوه ببنت شفة وقبلوه وارسلوه ارسال المسلمات التاريخية التي لا يناقش فيها. ونذكر منهم:

      أ- العلامة المجلسي (نور الله ضريحه) في بحاره: ج 39 ص 56.

      ب- الشيخ علي النمازي في مستدرك سفينة البحار: ج 1 ص 102.

      جـ- الشيخ الاسكافي في التمحيص: ص 4.  

      وهكذا جميع من ذكر هذا الحديث الشريف من المتقدمين والمتاخرين قبلوه ولم يرموه بطعن.

      يقول الشيخ احمد الدر العاملي في احدى مقالاته على الفيس بوك المنشور بتاريخ ‏٢٣ يناير ٢٠١٢‏، الساعة ‏١٢:٤٤ ص‏ ما نصه: (ما أوذي نبيٌّ مثلَما أوذيتُ اشتهرَ هذا الحديثُ النَّبويُّ الشَّريفُ بين المسلمين، وروَوْه في كُتُبهم، وأرسلوهُ إرسال المسلَّمات، ومتنُهُ أعظمُ شاهدٍ على صحَّة صدورِهِ).

      لكن يمكننا القول ان الحديث الشريف لا ذكر له في مصادرنا الخاصة اطلاقا لان المصدر الوحيد والذي هو المناقب يعتمد كثيرا على منهج الاستدلال على المخالفين بذكر الحديث من مصادرهم فالقريب جدا ان يكون ابن شهر اشوب قد نقل الحديث من مصادر المخالفين.

      وهذا ليس بقادح في صحة الحديث فلسنا اؤلائك المتعصبين الذين يضعفون الاحاديث بناءاً على اعتقاد الناقل فالقاعدة عندنا في هذا الباب هي خبر الثقة ولا يضر اعتقاده في نقله.

      ولكن المشكلة التي تجعلنا نتوقف ونتامل كثيرا في رواية المخالفين انه ثبت تدليس محدثيهم بالمقام الاساس فكيف يعتمد على توثيقاتهم فيجب ان نرجع الى سبل اخر في تصحيح الحديث كمتن الحديث والشهرة ومطابقة الرواية مع مصادرنا.

      ومتن الحديث المدروس يصححه الواقع المحسوس والمنقول فقد تواترت المواقف التي اوذي فيها رسول الله (صلى الله عليه واله) من اقرب الناس اليه كزوجاته والمحسوبين على بطانته والى وقتنا الراهن فان الاذية ما زالت مستمرة بشتى الطرق وسيأتيك تفصيل كل ذلك في الفصل الثاني.

 

      ثانيا: في طرق العامة:

       ولعل هذا البحث هو الاهم لحيثية الزام الخصم. وقد ورد في طرقهم:

      1- بلفظ: (ما اوذي احد ما اوذيت في الله): اورده الديلمي[7] عن ابن البطر إجازة، أخبرنا ابن البيع، حدثنا المحاملي، حدثنا [... محمد بن إبراهيم] الطرسوسي، حدثنا إسحاق بن منصور، حدثنا إسرائيل، عن جابر عن [ابن بريدة، عن أبيه]، رفعه.

      2- وبلفظ (ما اوذي احد مثل ما اوذيت في الله) اورده أبو نعيم[8] بطريقين: الاول حدثنا محمد بن يحيى ثنا احمد بن محمد الازهري ثنا محمد بن سليمان بن هشام ثنا وكيع عن مالك (عن الزهري) عن انس.

      الثاني حدثنا ابراهيم بن عبد الله ثنا احمد بن محمد الازهري ثنا محمد بن سليمان بن هشام ثنا وكيع عن مالك (عن الزهري) عن انس.

      3- وبلفظ (ما اوذي حد مثل ما اوذيت) ابن عدي، وابن عساكر عن يوسف بن محمد بن المنكدر عن أَبيه عن جابر كما في الجامع الكبير.

      التحليل الموضوعي للاسانيد:

      لقد ذكر الالباني هذه الاسانيد في الصحيحة وضعفها ثم رفع الحديث لمنزلة الحسن بمجموعها وصححه اعتمادا على مفهوم الوصف في قول ابي نعيم تفرد به وكيع.

      فالسند الاول وثق جميع رجاله الا جابر فقد ضعفه.

      وسبب التضعيف مجرد ان حديثه لم يعجبهم فهو الممدوح عندهم بالصادق الامين الورع الثقة لكن لان حديثه عارض عقيدة ابائهم كذبوه فهل نتبع العقيدة المتوارثة ام نتبع نقل الراوي الصادق الورع في نقله!!

      وهذا عين ما حصل مع النبي صلى الله عليه واله فهو الموصوف قبل البعثة المشهور على كل لسان بانه الصادق الامين وبعدما حدثهم بما يعارض عقيدة ابائهم اتبعوا اهواءهم الاعتقادية.

      مدحهم لجابر:

      جاء في ميزان الاعتدال: (قال ابن مهدي، عن سفيان: كان جابر الجعفي ورعا في الحديث، ما رأيت أورع منه في الحديث.

      وقال شعبة: صدوق.

      وقال يحيى بن أبي بكير، عن شعبة: كان جابر إذا قال: أخبرنا، وحدثنا، وسمعت - فهو من أوثق الناس.

      وقال وكيع: ما شككتم في شئ فلا تشكوا أن جابرا الجعفي ثقة.

      وقال ابن عبد الحكم: سمعت الشافعي يقول: قال سفيان الثوري لشعبة: لئن تكلمت في جابر الجعفي لاتكلمن فيك)[9].

      فلما حدثهم بما لا تهوى انفسهم كذبوه وضعفوه ولم يقبلوا حديثه.

      ففي الميزان أيضا: (وقال جرير بن عبد الحميد: لا أستحل أن أحدث عن جابر الجعفي، كان يؤمن بالرجعة (...)

      وذكر شهاب أنه سمع ابن عيينة يقول: تركت جابرا الجعفي وما سمعت منه، قال: دعا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عليا فعلمه مما تعلم، ثم دعا على الحسن فعلمه مما تعلم، ثم دعا الحسن الحسين فعلمه مما تعلم. ثم دعا ولده..حتى بلغ جعفر بن محمد.

      قال سفيان: فتركته ذلك)[10].

      ولعل قائلا يقول انتم الشيعة تصنعون نفس الشيء فعندما يرد حديث يعارض العصمة مثلا فانكم ترفضونه وان كان صحيحا

      فنقول: ان هذا قياس مع الفارق فانا نرد الحديث الظني الذي يعارض العقيدة اليقينية ولا نضعف الراوي ونكذبه بينما المخالفون يضعفون الراوي الذي ثبت صدقه عند مجرد روايته ما لا يعجبهم وان لم يعارض عقيدة يقينية عندهم.

      والخلاصة علة تضعيفهم لجابر علة واهية لا تصمد امام النقد العلمي فمادام ثبت صدقه فلا يقدح اعتقاده في روايته وان لم تكن تعجب اهواءهم.

      فالسند الاول تام صحيح لا علة فيه كما حاول توهينه الالباني.

      والثاني: كذلك وثق الالباني رجاله عدا الشطوي ولكن لان مفهوم قول ابي نعيم تفرد به وكيع انه لم يتفرد به الشطوي صحح الحديث بناءا على هذا الاحتمال.

      ونحن نقول ان المفهوم غير مسلم اصلا فلا مفهوم لوصف ابي نعيم لوكيع بالتفرد فان اثبات شيء لا ينفي ما عداه ولا يثبته.

      ولو ثبت ان الشطوي لم يتفرد به فانهم قد ضعفوا الشطوي مطلقا ولم يخصوه بتفرده في الرواية فقط وايضا يبقى الراوي الاخر الذي يحتمل انه روى عن وكيع مجهولا لا سبيل لمعرفته.

      فيجب ان تبقى الرواية ضعيفة على كلا الاحتمالين

      وهذا ينبؤك عن مدى تلاعبهم بعلم الجرح والتعديل وانهم متخبطون ليس عندهم ميزان علمي يرجعون اليه في توثيق رواياتهم وتضعيفها.

      فلا يمكن الاعتماد على علم كهذا في تضعيف الرواية.

      مع انه يمكننا اخذ اقراره ان الرواية صحيحة لعدم تفرد الشطوي عليه دون مناقشة اصلا لكيفية تصحيحه وتضعيفه لكن لكي يتبين انه لا يمكن الاعتماد على تضعيفاتهم اصلا.

      فالرواية صحيحة في هذا السند ايضا ولا نعتمد على تضعيفهم للشطوي.

      واما الثالث فالعلة فيه كالثاني.

      وعلى كل فالحديث صحيح لعدم حجية القدح في جابر لعدم المسوغ.

      وحسن كما صرح الاباني فقال بعد ذكر تفصيل الاسانيد الثلاثة: (وبالجملة، فالحديث بمجموع هذه الطرق الثلاث يرتقي إلى درجة الحسن إن شاء الله تعالى)[11].

      واما الرابع ففيه يوسف بن المنكدر وجابر وقد اختلفوا في الاول فعن النسائي انه متروك الحديث وعن ابي زرعة انه صالح الحديث وقال ابن عدي أرجُو أَنَّهُ لا بأس بِهِ[12].

      واما جابر فقد فقد مر الكلام فيه (عليه السلام).

 

      المبحث الثالث: دراسة الحديث من حيث الدلالة:

      دلالة الحديث ظاهرة في انه لا احد من البشر قد اوذي كما اوذي رسول الله (صلى الله عليه واله) وذلك لمكان وقوع النكرة في سياق النفي الذي يفيد العموم فجملة "ما اوذي احد" تدل على نفي الاذي عن كل احد لكن ليس كل اذى انما المقصود نفي الاذى الذي وقع على رسول الله (صلى الله عليه واله) ويعلم ذلك من "ما" المصدرية التي بمعنى "كما" في تتمة الحديث "ما اوذيت في الله".

      ولعل في قيد "في الله" اشارة الى ان الاذى الذي وقع على البشر من اي وجه كان لا يبلغ الاذى الذي وقع على رسول الله (صلى الله عليه واله) في سبيل الله فقط.

      او انه لم يقع اذى على النبي (صلى الله عليه واله) الا كان في سبيل الله سبحان.

      ولفظ الحديث في طرقنا ينفي وقوع الاذى عن الانبياء دون سائر البشر ولعله اولى لمطابقته للغرض من الحديث وهو مقارنة مجهوده (صلى الله عليه واله) مع مجهود قرنائه من الانبياء ولا فضيلة في حال مقارنته بسائر البشر وعلى كل فلا تعارض لدخول الثاني في الأول.

      لكن ورد حديث لعله يعارض اللفظين معا وهو ما رواه البخاري وغيره عندما زاد النبي (صلى الله عليه واله) من حصة اقوام واثرهم على غيرهم في قسمة حنين.

      ففي البخاري عن عبد الله ابن مسعود (لَمَّا قَسَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِسْمَةَ حُنَيْنٍ قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ مَا أَرَادَ بِهَا وَجْهَ اللهِ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ فَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ ثُمَّ قَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَى مُوسَى لَقَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ)[13].

      وظاهر الحديث ان موسى (عليه السلام) قد اوذي باكثر مما اوذي النبي (صلى الله عليه واله) وهذا يعارض ما دل عليه الحديث المدروس.

      لكن يمكن ان يقال بان دلالة الاول انما تدل على الاذية من حيث المجموع والثاني تدل على اذية خاصة وقعت للنبي موسى (عليه السلام) كانت اكثر من اذية خاصة وقعت للنبي (صلى الله عليه واله) وهي اتهام النبي (صلى الله عليه واله) بانه غير عادل في القسمة.

      فلا تعارض اذ انه من حيث المجموع فان اذية نبينا تفوق اي اذية اخرى تعرض لها الانبياء وسائر البشر ومن حيث هذه الحادثة وهي اتهام النبي بانه غير عادل والعياذ بالله فقد حصلت للنبي موسى ما هي اكثر اذية منها.

      اما الاذية التي تعرض لها موسى (عليه السلام) فهي على ثلاثة اقوال: قال القسطلاني في شرحه على البخاري ((يرحم الله موسى لقد أوذي بأكثر من هذا) الذي قاله هذا الرجل (فصبر) وأشار بقوله لقد أوذي بأكثر من هذا إلى قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى) [الأحزاب: 69] وأذى موسى (عليه السلام) هو حديث المومسة التي راودها قارون على قذفه بنفسها حتى كان سبب ذلك هلاك قارون أو اتهامهم إياه بقتل هارون فأحياه الله فأخبرهم ببراءة موسى أو قولهم: هو آدر وفي الحديث أن أهل الفضل قد يغضبهم ما يقال فيهم مما ليس فسهم ومع ذلك فيتلقونه بالحلم كما فعل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اقتداء بموسى عليه السلام)[14].

      هذا هو الفهم الظاهري للحديث وللتعمق اكثر تعال معي لسبر غور مفرداته:

      اولا: الاذى: وهو كل ما يكره ويغتم به[15] ويتناسب مع الايمان شدة وضعفا ففي الكافي الشريف بسنده عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إن في كتاب علي (عليه السلام) أن أشد الناس بلاء النبيون، ثم الوصيون، ثم الامثل فالامثل; وإنما يبتلي المؤمن على قدر أعماله الحسنة، فمن صح دينه وحسن عمله اشتد بلاؤه، وذلك أن الله عز وجل لم يجعل الدنيا ثوابا لمؤمن ولا عقوبة لكافر، ومن سخف دينه وضعف عمله قل بلاؤه، وإن البلاء أسرع إلى المؤمن التقي من المطر إلى قرار الارض)[16].

      والبلاء على عدة معانٍ منها الاختبار ومنها البلية.

      والبلية -كما قال اهل اللغة- اصلها ناقة كانت العرب إذا مات الرجل منهم عقروها عند قبره وشدت عنقها إلى ذنبها فلا تُطعم ولا تُسقى حتى تموت، فسموا كل أمرٍ عظيم يقع فيه الإنسان بلية يشبهها بأمر هذه البلية لشدته[17].

      ولعل المقصود في الرواية هو الثاني ويدل على ذلك قوله عليه السلام (وذلك أن الله عزوجل لم يجعل الدنيا ثوابا لمؤمن ولا عقوبة لكافر) فتسمية البلاء عقوبة انما يتلاءم مع ما اخترناه والله العالم.

      وهذه التسمية لشدته لا لمعاقبتها للذنوب فإنها -في صريح الرواية - عقبى المؤمن تشتد مع صحة دينه وحسن عمله.

      وعلى هذا فإن الاذية تكون مصداقا من مصاديق هذا البلاء وتشتد مع شدة الايمان ونبينا (صلى الله عليه واله) اكمل بني ادم ايمانا واحسنهم اعمالا واصحهم دينا فعنه (صلى الله عليه واله) انه قال: (أنا سيد ولد آدم ولا فخر، أنا خاتم النبيين وإمام المتقين ورسول رب العالمين)[18].

      ومن معاني السيد هو الذي يفوق في الخير قومه[19].

      ثم ان الاذية قد تكون مباشرة وغير مباشرة وكل منهما بدنية ونفسية وقد اجتمعت كل الاصناف على سيد الانبياء والمرسلين (صلى الله عليه واله) ويأتيك تفصيلها[20].

      ثانيا: مفردة "نبي": وهي نكرة في سياق النفي تدل على مقارنة نبينا (صلى الله عليه واله) بعموم الانبياء على نحو الافراد لا الاستغراق ويدلك على هذا افراد اللفظ ولو كان مجموعا لقيل بأن النبي يقارن نفسه بسائر الانبياء على نحو المجموع فلم يؤذ جميع الانبياء مجتمعين كما اوذي النبي وحده (صلى الله عليه واله).

      وها هنا عدة احتمالات يمكن ان تطرح:

      الاول: ان المقارنة من جهة النبي هي ذاته الشريفة فقط ومن جهة الانبياء الاخرين هي احادهم.

      الثاني: ان المقارنة من جهة النبي هي ذاته الشريفة فقط ومن جهة الانبياء الاخرين هي مجموعهم.

      الثالث: ان المقارنة من جهة النبي هي ذاته مع اهل بيته ومن جهة الانبياء الاخرين هي احادهم.

      الرابع: ان المقارنة من جهة النبي هي ذاته مع اهل بيته ومن جهة الانبياء الاخرين هي مجموعهم.

      والثالث هو الاقرب للغرض والدلالة فالاخيرة تدل على ان المقارنة مع الاحاد من الانبياء لا مجموعهم من حيث افراد لفظة "نبي" والغرض هو ان كل نبي في زمانه لم يلاقي ما لاقاه رسول الله (صلى الله عليه واله) من الاذية.

      وبما ان الاذية مباشرة وغير مباشرة فأن اذية اهل البيت (عليهم السلام) لاشك داخلة في عنوان الاذية التي نزلت بالنبي (صلى الله عليه واله) في قوله (صلى الله عليه واله) في الحديث المدروس: (مثل ما اوذيت).

      فأذيتهم اذيته (صلى الله عليه واله) بلا فرق ويدل على ذلك المستفيض من الاخبار وقد ذكر بعضهم هذا الاحتمال واستبعده بناءا على امرين الاول انه خلاف الظاهر ويحتاج الى مؤنة زائدة بتقدير (في نفسي واهل بيتي) وكون المراد من الحديث ابراز مظلومية للنبي (صلى الله عليه واله) في قبال الانبياء فلا معنى لمقايسة النبي واهل بيته (صلى الله عليه وآله) من جهة ونبي من الانبياء من جهة اخرى.

      ويرده: ان المخالفة للظاهر غير مسلمة فالحديث ذكر عنوان الاذية الواقعة على النبي (صلى الله عليه واله) وهي مباشرة وغير مباشرة فما كان اذية لاهل البيت (عليهم السلام) فهي اذية غير مباشرة للنبي (صلى الله عليه واله) فيدخل في الظاهر ولا حاجة للتقدير خصوصا مع ما استفاض من اخبار ان اذيتهم اذيته (صلى الله عليه واله).

      فما دام لا انفكاك بين اذيتهم واذيته (صلى الله عليه واله) فالتعبير بقوله (مثل ما اوذيت) يشملهم ولا يحتاج الى تقدير (في نفسي واهل بيتي).

      اما انه لا معنى لمقارنة نبي من الانبياء بالنبي واهل بيته فنقول كما ان اذية نبينا (صلى الله عليه واله) لا انفكاك بينها وبين اذية اهل بيته (صلى الله عليه واله) كذلك باقي الانبياء فاكتُفي في ذكر اذيتهم التي هي بذاتها اذية لاهل بيتهم ايضا.

      فالمقارنة تكون بين نبينا واهل بيته من جهة وبين اي نبي من الانبياء الاخرين مع اهل بيته من جهة اخرى.

      وبهذا نفهم كيف تكون اذية النبي (صلى الله عليه واله) اعظم من اذية الانبياء الاخرين (عليهم السلام) فلأن ينشر الانسان بالمناشير اهون عليه من ان يعلم دخول الذل بيت ابنته وتقطع اوصال سبطيه من بعده وان يصدر هذا ممن يعدون من بطانته وصحابته يكون اشد ايلاما ناهيك عن ما صدر في حياته من افعال اقرب المقربين كزوجاته وسيوافيك تفصيله قريبا.

 

الفصل الثاني: في تفصيل ما تعرض له النبي (صلى الله عليه واله) من الاذى وحكم من اذاه

      توطأة:

      بداية لابد ان نعلم ما هو حكم من يؤذي النبي (صلى الله عليه واله) لكي نكون على بصيرة من امرنا حين سرد التفاصل وللموضوع تتمة ستاتي ان شاء الله تعالى.

 


[1] : يعني العملية.

[2] : اصول الفقه: 3/ 253

[3] : راجع مقباس الهداية في علم الدراية للمامقاني: 1/ 338

[4] : المصدر السابق: 1/ 348

[5] : مناقب آل ابي طالب: 3/41

[6] : المصدر السابق: 1/ 34

[7] : الغرائب الملتقطة من مسند الفردوس لابن حجر: مخطوط (ن) (ص: 2337)، يقول محقق الكتاب ان ما بين القوسين مفقود في الاصل وانه اثبت ما في الصحيحة للالباني.

[8] : حلية الأولياء وطبقات الأصفياء: 6/ 333

[9] : ميزان الاعتدال: 1/ 379

[10] : المصدر السابق: 1/ 380

[11] : السلسلة الصحيحة المجلدات الكاملة : 5 : 221 .

[12] : الجامع الكبير للسيوطي : 7: 523 ؛ و الكامل لابن عدي 8 : 486 .

[13] : صحيح البخاري - الطبعة الأميرية: 5/159: والاشهر ان الرجل هو معتب بن قشير وقيل غيره.

[14] : إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري:9 / 195

[15] : تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب: 57

[16] : الكافي الكليني: 2/ 368

[17] : الإبانة في اللغة العربية: 2/215

[18] : الاختصاص: 33

[19] : الإبانة في اللغة العربية: 3/213

[20] : في مباحث الفصل الثاني ان شاء الله تعالى.

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: طلب العلم فريضة.                                                                                                                                                            الكافي

الفيديو

دور التربويين في تحقيق غاية الدين - شيخ ستار الدلفي
2019 / 03 / 24 4483

دور التربويين في تحقيق غاية الدين - شيخ ستار الدلفي

أخر الأخبار

الصوتيات

2018/3/15

سورة الفرقان

2018/3/15

سورة النور

2018/3/15

سورة المؤمنون

2018/3/15

سورة الحج



الصور