Image

خبر

وظيفة الفقيه
منذ أسبوع 61
تميز المذهب الإمامي بفتح باب الإجتهاد وإعطاء حق الإفتاء للفقيه، ووجوب الرجوع الى الفقيه في معرفة احكام الدين، وقد جعل هذا الأمر للفقيه أهمية عظمى وكبيرة، وقد حدد المرجع الشيخ الفياض حفظه الله نسبة الأمور المتفق عليها بين الفقهاء بمقدار 6% تقريبا، ونسبة الإختلاف الكبيرة في الأحكام الفقهية بين الفقهاء، مع ضرورة الرجوع الى الفقيه في كل شاردةٍ وواردة، أوجب علينا معرفة حدود طاعة الفقيه، المعتمدة على بيان وظيفة الفقيه، مع الإنتباه الى الحث الكبير الوارد عن أئمة الهدى صلوات الله عليهم من ضرورة الرجوع الى الفقهاء، وضرورة عدم أخذ الأحكام الشرعية من غيرهم، مِنْ مَنْ يحكم عن جهل، ويتمثل بمن يدعي لنفسه مقام الفقاهة وليس بأهلها كما نرى حال العشرات من الأسماء اليوم وخصوصا في عواصم الشيعة العلمية كالنجف الأشرف وقم المقدسة، وبمن يشرع الأحكام السلطوية سواء كانت من برلمانات أو حكومات أو قضاة أو طواغيت، وبمن يكون له موقع إجتماعي خاص كشيخ عشيرةٍ، أو وجهٍ إجتماعي، أو غير ذلك، وبمن له مقام علمي كالإستاذ الجامعي والباحث وغيرهم، فكل هؤلاء إذا بينوا حكما فرديا أو عاما من دون الرجوع في ذلك الى الفقهاء الأمناء فهم يحكمون بغير ماأنزل الله تعالى، فهم من الكافرين الفاسقين المشركين على مراتب ودرجات، بحسب الحكم والرأي والنظرية.. ومن كل هذا يتضح لدينا أهمية موقع الفقيه، وأنه يمثل المرجعية لكل ماعظُم أو صغُر في حياتنا، ومنشأ هذه المرجعية هو أن الدين الإسلامي قد تكفل لنا ببيان حكم كل صغير وكبير في الحياة، وماالفقيه إلا طريق الى معرفة هذه الأحكام، وربما هذا الكلام يكون معقولا ومقبولا مع الإمام المعصوم عليه السلام لما عنده من إرتباطات ربانية وعلوم موروثة وقدرات خاصة، ولكنه مع إنسان لم يكن إلا مكبا على طلب العلم لعشرات السنين وملما بأقوال المعصومين وعارفا بترجيح المختلفات، يصعب معه الوثوق بالرجوع اليه بهذا المقدار من السعة، ولكن يمكن إزاحة هذه الصعوبة من خلال نقاط واضحة: النقطة الأولى: أن الرجوع الى الفقيه وإعتباره المصدر الأساسي ليس هو من باب رجوع العبد الى مولاه كما في حالة النبي والإمام عليهم السلام، الذين يمثل قولهم وفعلهم حكم الله وحكمته، وإنما هو من باب رجوع الجاهل الى العالم، فلا يكون للفقيه وظيفة ولامقاما ولامُعتمدا إلا في نقطة واحدة وهو الفتوى، فالوظيفة الأولى والأخيرة والوحيدة للفقيه هي الفتوى، ولكن ليس كل فتوى، بل الفتوى المستندة الى الكتاب والسنة بطريقةٍ علمية ومنهجية خاصة، ويتخصص علم أصول الفقه بتحديد المنهج العلمي للوصول الى الفتوى.. النقطة الثانية: لايجب على الناس الرجوع لفتوى أي فقيهٍ، حتى لو ثبتت علميته ومقامه العلمي، وإنما يجب أن يتمتع الفقيه المرجع بخاصيتين مهمتين؛ الاولى: العدالة وأنه معروفٌ طوال عمره بالتقوى والتدين والإلتزام بأحكام الشريعة، والثانية: كونه على مستوى رفيع من الفقاهة والعلم بالأحكام الشرعية، بل يكون هو الأعلم بين أقرانه، أو على الأقل يُحتمل فيه إحتملا كبيرا أنه الأعلم... النقطة الثالثة: تحدد فتوى الفقيه لكل فرد ماله وماعليه، ومن بينهم الفقيه نفسه، ومن اهم مايحدده لنفسه صلاحياته وواجباته، وصلاحياته على الآخرين هو مايسمى في المصطلح الفقهي بولاية الفقيه، فقد لايصل الفقيه الى أي ولاية له على الآخرين، كما هو رأي الكثير من الفقهاء، وقد يصل إلى أن مقدار ولايته على الأمور التي نعلم يقينا أن الله سبحانه وتعالى لايمكن أن يتركها بلا تنفيذ، ولم يحدد لها منفّذا خاصا فيكون الأقرب لتنفيذ أحكام الله تعالى هو الأعلم بالحلال والحرام هو الفقيه، وتسمى هذ الولاية ولاية الحسبة وهي رأي مشهور الفقهاء وأكابرهم، وقد يصل الفقيه الى ولايةٍ أوسع من كل ماسبق، وهذا رأي يتبناه بعض الفقهاء أيضا، ومما يحدده الفقيه أيضا تحديد من يكون قاضيا في الخصومات والتنازعات بين الناس وجميع الفقهاء يرون أن الفقيه هو الحاكم الشرعي والقاضي الحقيقي. فيمكن أن نضيف وظيفة القضاء الى وظيفة الفتوى كوظائف للفقيه.. النقطة الرابعة: حدود طاعة الفقيه: نظرا الى أن الرجوع الى الفقيه يكون من باب رجوع الجاهل الى العالم، وهو مبدا عقلي، ونظرا الى أن مهمة الفقيه الفتوى، فرجوع الناس الى الفقيه لاتكون بأكثر من الفتوى، فيقلدون الفقيه بالفتوى فقط، ومعنى الفتوى القاعدة القانونية الكلية، والمهم في القاعدة تطبيقها، وهذا يرجع الى الأفراد فردا فردا، فكل فرد يجب عليه: 1- أن يفهم الفتوى جيدا 2- أن يحرص على معرفة موردها بصورة دقيقة حتى لايشتبه فيطبق فتوى على مورد مع أن الصحيح أن يطبق فتوى أخرى على هذا المورد 3- أن يكون متدينا ويطبق الفتوى كما هي لاكما يحلو له ويرتاح له.. ومن هنا نفهم أنه لامجال لأن نقول دلني عقلي على كذا، وإستفتي قلبك، وإنكشف لي الحكم.. فإن كل ذلك من خزعبلات التصوف والعرفان المرفوض في مدرسة الإسلام الحقيقي المتمثل بأهل البيت عليهم السلام.. تنبيه مهم: في عقيدتنا أنه لايمثل الإسلام التمثيل الحقيقي، ولايكون ناطقا عن الإسلام نطقا غير قابلٍ للخطأ إلا النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم فقط، ولكنه ومن باب لطف الله بالعباد ورحمته وتفضله ومنّه زاد علينا في كل ذلك أن جعل لمحمدٍ المصطفى وصيا وخليفة يقوم مقامه ويمثل قوله وفعله الدين كالنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا الوصي هو علي بن أبي طالب عليه السلام ثم إحدى عشر رجلا من ذريته كلهم معصوم مطهر من كل زلل وخلل من يوم مولده الى لحظة موته، وكل إنسان ماعدا هؤلاء قابل للخطأ من فقيهٍ وغيره، ولكن من باب الرحمة الإلهية جعل الله تعالى ذمتنا بريئة من الأخطاء التي يقع فيها الفقيه والإشتبهات التي ترد عليه في فتاويه، فيحاسبنا يوم القيامة وفقا على فتوى الفقيه ورسالته العملية لاعلى حسب الحق الحقيق الذي أنزله سبحانه على نبيه الأكرم وأخبر به أوصياءه صلوات الله عليه وعليهم أجمعين.. ومن هنا نعرف أن موقع المرجع الفقيه موقع إحترام وتقدير وليس موقع تقديسٍ وتعظيم، فالمقدس هو المنزه عن كل خطأ وهو منحصر بالمعصومين عليهم السلام، فلايصح أن نرفع مقام المرجع الى التقديس ولايصح أن ننزل به عن موقع الإحترام والتقدير والتوقير والطاعة له بحسب الفتوى، وأخذ ألأخلاق والآداب منه ومن تصرفاته، لأنه عادلٌ تقيٌ ورعٌ عالمٌ صالح، فما كانت هذه صفته من الفقهاء نوقره ونفخر به، وأما من يتقلب بحسب المصالح، ويحاول أن يجر له الدنيا بإسم الدين، ويتقوى على المؤمنين ويتماهل مع المخالفين، ويدعي ماليس له من مقام العلماء الصالحين، فهذا يجب أن يكون موضع تحقيرٍ وتبكيتٍ.