هل خرجت زينب الى الجسد الحسيني المقدس؟
الشيخ محمد آل حيدر
كل قضية تأريخية تحتاج في تحقيقها الى جهتين:
الأولى: جهة ثبوتية تتعلق بالعقيدة مثلا حادثة رد الشمس هل نقبلها عقائديا أم فيها مشكلة؟. حادثة سحر النبي (صلى الله عليه وآله) هل نقبلها عقائديا؟ فمثلا نقبل الأولى وننكر الثانية.
الثانية: جهة الإثبات التأريخي: فلو قبلنا إمكانية حصولها فهل حصلت فعلا ام لا نحتاج هنا لإثباتات وأدلة تاريخية.
وقد كثر المقال في خروج زينب العقيلة (صلوات الله عليها) الى جسدها أخيها الحسين (عليه السلام) وهنا نقول هل توجد مشكلة عقائدية في خروج زينب الى المعركة؟
إن قلنا لا توجد مشكلة فنحتاج الى جواب سؤال آخر: وكيف تخرج بجلالها ومكانتها بين الأعداء؟
والجواب:
- إن الضرورات تبيح المحضورات.
- إن خروج المرأة بسترها بين الرجال ليس محرما.
- زينب لها دور لابد أن تأديه.
- خروج زينب تدفعه حقوق الإمامة وعاطفة الأخوة وليس محرما.
- معروف بين العرب أنه إذا هجمت قبيلة على أخرى وابادتها تخرج أكبر إمرأة من القبيلة المبادة شابكة عشرها على رأسها معلنة خلو الديار من الرجال حتى يوقف العدو الهجوم. وقد أبى آل أمية عدوانا وإنتهاكا للعرف العربي الذي إعتاد أخلاق الأحرار والشرف الحربي فأكملوا الهجوم على الخيام. ولكن زينب قامت بوظيفتها.
- خرجت الزهراء عليها السلام في موقف مشابه بل أشد فإن زينب عندما خرجت يقال ان الجيش إنفرج لها سماطين وامر ابن سعد ان لا يتعرض أحد لها صلوات الله عليها، بينما خرجت الزهراء بعد العصر بين الباب والحائط وسُطرت على خدها حتى سقط قرطها وإحمرت عينها.
- إن العيب الذي جرى لم يكن من زينب بل من المعتدين الآثمين الذين أجبروا مخدرات رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يخرجن صارخات مذهولات وقد أحاطت النار بالخيام.
- إن خروج زينب الى ساحة المعركة مضطرة لا مشكلة فيه أصلا لنبحث عن المبررات -مع كثرتها- بل هو خروج الشرف والعزة والإباء فقد وصلت الى الجسد الشريف معنفة للقوم لا ذليلة ولا خائفة وإستمرت على عنفوانها قائدة تأريخية فذة وقد كان خروجها ذاك إعلان رسمي أنها من إستلمت القيادة من الآن للنهضة فلا تنازل ولا تكاسل ولا تخاذل بل عنفوان البطولة وإقدام الحق ورجاحة العقل ودقة البيان.
وبعد أن ثبت أنه لا مشكلة في الخروج من حيث العقيدة والعقل والتدين فهنا نسأل هل حدث فعلا خروج زينب (صلوات الله عليها) الى ساحة المعركة أم أنه كلام يلوكه الخطباء بلا تدقيق كأكثر ما يلوكون -بحسب رأي السائل، وأما بحسب ما أرى فإن الخطباء حملة الرسالة بعد الفقهاء-والجواب:
1- قد ذكر الطبري عمن حضر المعركة قوله: فوالله ما رأيت مكثورا قط قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشا ولا أمضى جنانا منه ولا أجرأ مقدما والله ما رأيت قبله ولا بعده مثله إن كانت الرجالة لتنكشف من عن يمينه وشماله انكشاف المعزى إذا شد فيها الذئب قال فوالله إنه لكذلك إذ خرجت زينب ابنة فاطمة أخته ... وهي تقول ليت السماء تطابقت على الارض وقد دنا عمر بن سعد من حسين فقالت يا عمر بن سعد أيقتل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه قال فكأني أنظر إلى دموع عمر وهى تسيل على خديه ولحيته قال وصرف بوجهه عنها.
2- وكذلك قد ذكر الطبري في تأريخه نقلا عن أبي مخنف ينهيه إلى حميد بن مسلم قال سماع أذني يومئذ من الحسين يقول قتل الله قوما قتلوك يا بني ما أجرأهم على الرحمن وعلى انتهاك حرمة الرسول على الدنيا بعدك العفاء قال وكأني أنظر إلى امرأة خرجت مسرعة كأنها الشمس الطالعة تنادى يا أخياه ويا ابن أخاه قال فسألت عنها فقيل هذه زينب ابنة فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءت حتى أكبت عليه فجاءها الحسين فأخذ بيدها فردها إلى الفسطاط وأقبل الحسين إلى ابنه وأقبل فتيانه إليه فقال احملوا أخاكم فحملوه من مصرعه حتى وضعوه بين يدي الفسطاط الذي كانوا يقاتلون أمامه.
3- وهكذا يذكر المؤرخون مواضع أخرى خرجت فيها زينب.
4- وفي زيارة الناحية المقدسة "حتى نكسوك عن جوادك، فهويت إلى الأرض جريحا، تطؤوك الخيول بحوافرها، وتعلوك الطغاة ببواترها، قد رشح للموت جبينك، واختلفت بالانقباض والانبساط شمالك ويمينك، تدير طرفا خفيا إلى رحلك وبيتك، وقد شغلت بنفسك عن ولدك واهلك، وأسرع فرسك شاردا، والى خيامك قاصدا، محمحما باكيا. فلما رأين النساء جوادك مخزيا، ونظرن سرجك عليه ملويا، برزن من الخدور، ناشرات الشعور على الخدود لاطمات وبالعويل داعيات، وبعد العز مذللات، وإلى مصرعك مبادرات والشمر جالس على صدرك، مولع سيفه على نحرك، قابض على شيبتك بيده، ذابح لك بمهنده، قد سكنت حواسك، وخفيت أنفاسك، ورفع على القنا رأسك" وهذا صريح في خروج النساء زينب وغيرها، نعم مثل مقام زينب لا ينطبق عليه نشر الشعر ولكن ليس شرطا ان يكن جميع النسوة نشرت شعورها بل بعضهن فقط، وخصوصا أن معهن الكثير من غير بني هاشم وقد سبين الى الكوفة ثم فكت قبائلهن الأسر عنهن، وسواء ثبتت الزيارة عن الناحية المقدسة (عليه السلام) أم لم تثبت فإنها نص تأريخي رواه المفيد (رضوان الله عليه). فهي أقدم منه .
وبهذا يمكن إستقراب -وليس القطع واليقين- خروج زينب عقائديا وتأريخيا. ولكن أبت غيرة بعض المؤمنين أعزهم الله بولاية سيد الوصيين أن تتصور سيدة الكبرياء والعفة والستر والحجاب وقد خرجت بين الأعداء الأجانب القساة الأنذال الفجرة الفسقة، وقلب كل مؤمن غيور على هذا، ولكن القلوب شيء والواقع شيء آخر.
ولعدم القطع بأحد الإحتمالين فلا ينبغي للمؤمنين أن يتنابزوا ويستهينون ببعضهم عند إختلاف الراي بل يتناقشون بهدوء فإن توافق المتناقشان فيها ونعمت ولهم بذلك القربة عند ربهم -إن شاء الله تعالى- وإن إختلفا فكل له أجره بمقدار إخلاصه في قصده للحقيقة والدفاع عن اهل البيت (عليهم السلام) او بيان مظلوميتهم وليس للفوز بالنقاش. والحمد لله الذي يوفقنا أن نتكلم بهذه المواضيع بيننا فهي من مجالس ذكرهم (عليهم السلام). وأعتذر عن الإطالة فالموضوع كثر فيه الكلام.