الرجعة عند الشيعة
الرجعة في اللغة: العودة إلى الحياة الدنيا بعد الموت.
الرجعة عند الشيعة الإمامية:
إنَّ الذي تذهب إليه الإمامية أخذاً بما جاء عن أهل البيت (عليهم السلام)، هو نفس المعنى المحقّق في اللغة، وهو أنَّ الله تعالى يُعيد قوماً من الأموات إلى الدنيا قبل يوم القيامة في صورهم التي كانوا عليها، فيعزُّ فريقاً ويذلُّ فريقاً آخر، وينصر المُحِقِّين على المبطلين، والمظلومين على الظالمين.
ويكون ذلك عند قيام مهدي آل محمد (عليه وعليهم السلام) الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن مُلئت ظلماً وجوراً، فتُعدُّ الرجعة مظهراً يتجلى فيه مقتضى العدل الإلهي بعقاب المجرمين على نفس الأرض التي ملأوها ظلماً وعدواناً.
ولا يرجع إلاّ من عَلَت درجته في الإيمان، أو من بلغ الغاية من الفساد، ثم يصيرون بعد ذلك إلى الموت، ومن بعده إلى النشور، وما يستحقونه من الثواب أو العقاب.
كما حكى الله تعالى في قرآنه الكريم تمنِّي هؤلاء المرتجعين الذين لم يصلحوا بالارتجاع، فنالوا مقت الله، أن يخرجوا ثالثاً لعلهم يصلحون، فقال تعالى: (قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَينِ وَأَحْيَيتَنَا اثنتينِ فاعتَرفنَا بِذُنُوبِنَا فَهَل إلى خُروجٍ مِنْ سَبِيلٍ)[1].
إمكان الرجعة:
إنَّ الرجعة من نوع البعث والمعاد الجسماني، غير أنها بعث موقوت في الدنيا ومحدود كمّاً وكيفاً، ويحدث قبل يوم القيامة، بينما يُبعث الناس جميعاً يوم القيامة ليلاقوا حسابهم ويبدأوا حياتهم الخالدة، وأهوال يوم القيامة أعجب وأغرب، وأمرها أعظم من الرجعة.
وبما أنَّ الرجعة والمعاد ظاهرتان متماثلتان من حيث النوع، فالدليل على إمكان المعاد يمكن أن يكون دليلاً على إمكان الرجعة، والاعتراف بإمكان بعث الحياة من جديد يوم القيامة يترتب عليه الاعتراف بإمكان الرجعة في حياتنا الدنيوية.
ولا ريب في أن جميع المسلمين يعتبرون الإيمان بالمعاد من أُصول عقيدتهم، إذن فجميعهم يذعنون بإمكانية الرجعة.
يقول السيد المرتضى (قدس سره): إعلم أن الذي يقوله الإمامية في الرجعة لا خلاف بين المسلمين. بل بين الموحدين. في جوازه، وأنه مقدور لله تعالى، وإنما الخلاف بينهم في أنه يوجد لا محالة أَوَ ليس كذلك؟ ولا يخالف في صحة رجعة الأموات إلا خارج عن أقوال أهل التوحيد، لأنَّ الله تعالى قادر على إيجاد الجواهر بعد إعدامها، وإذا كان عليها قادراً، جاز أن يوجدها متى شاء.
أدلة الرجعة:
إن أهم ما استدل به الإمامية على الرجعة هو الأحاديث الكثيرة المتواترة عن النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) المرويَّة في الكتب المعتمدة، وكذلك إجماع الطائفة المحقة على ثبوت الرجعة.
فأصبحت الرجعة من ضروريات مذهب الإمامية عند جميع العلماء المعروفين، والمصنفين المشهورين، كما استدلوا أيضاً بالآيات القرآنية الدالَّة على وقوع الرجعة في الأمم السابقة، أو الدالة على وقوعها في المستقبل، إمَّا نَصّاً صريحاً، أو بمعونة الأحاديث المعتمدة الواردة في تفسيرها.
وفيما يلي نسوق بعض الأدلة القرآنية:
الدليل الأول: قوله الله تعالى: (ألم تَرَ إلى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيارِهِم وَهُم أُلُوفٌ حَذَرَ المَوتِ فَقَالَ لَهُم اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أحيَاهُم إنَّ اللهَ لذُو فَضلٍ على النَّاسِ وَلَكِنَّ أكثَرَ النَّاسِ لايَشكُرُونَ)[2].
فجميع الروايات الواردة في تفسير هذه الآية المباركة تدل على أنَّ هؤلاء ماتوا مدة طويلة، ثم أحياهم الله تعالى، فرجعوا إلى الدنيا، وعاشوا مدة طويلة، فهذه رجعة إلى الحياة الدنيا بعد الموت.
وقد سأل حمران بن أعين الإمام الباقر (عليه السلام) عن هؤلاء، قائلاً: أحياهم حتى نظر الناس إليهم، ثم أماتهم من يومهم؟، أو ردَّهم إلى الدنيا حتى سكنوا الدُّور، وأكلوا الطعام، ونكحوا النساء؟ فقال (عليه السلام): ( بل ردَّهم الله حتى سكنوا الدُّور، وأكلوا الطعام، ونكحوا النساء، ولبثوا بذلك ما شاء الله، ثم ماتوا بآجالهم).
الدليل الثاني: قوله تعالى: (وإذا وقعَ القولُ عَليهم أخرَجنا لَـهُم دابَّةً مِنَ الأرض تُكَلِّمُهُم أنَّ الناسَ كانُوا بآياتِنا لا يُوقِنُونَ * ويومَ نَحشُرُ مِن كُلِّ أُمّةٍ فوجاً ممن يُكذِّبُ بآياتِنا فَهُم يُوزعُونَ * حتَّى إذا جاءُوا قال أكذّبتُم بآياتي ولم تُحيطُوا بها عِلماً أمَّاذا كُنتُم تَعملُونَ)[3]، إلى قوله تعالى: (ويومَ يُنفخُ في الصُّورِ فَفَزِعَ من في السَّماواتِ ومن في الأرض إلاّ من شاءَ اللهُ وكلٌّ أتوهُ داخرينَ)[4].
فمن أمعن النظر في سياق الآيات المباركة وما قيل حولها من تفسير، يلاحِظ أنَّ هناك ثلاثة أحداث مهمة تدلُّ عليها، وهي بمجموعها تدلُّ على علامات تقع بين يدي الساعة.
فالآية الأولى تتحدث عن وقائع تحدث قبل يوم القيامة، والآية الثانية تتعلق بالأولى، حيث أنها تتحدث عن الحشر الخاص الذي يقع قبيل يوم القيامة، وهذا الحشر قد وقع بين آيتي (الدابة) و(النفخة) وهي الآية الأخيرة.
فإذن هناك حشران، حشر يجمع فيه من كل أمة فوجاً، وهو (الرجعة)، وحشر آخر يشمل الناس جميعاً، وهو (يوم القيامة).
الإجماع:
نقل جماعة من علمائنا إجماع الإمامية على اعتقاد صحة الرجعة، وإطباقهم على نقل أحاديثها وروايتها، وعلى أنها من اعتقادات أهل البيت (عليهم السلام)، وكل ما كان من اعتقاداتهم فهو حقٌّ، وَأُوِّلُوا مُعارضُوهَا على الشذُوذ والنُّدور.
فقال الشيخ ابن بابويه (رحمه الله)، في كتاب (الاعتقادات)، وفي باب الاعتقاد بالرجعة: (اعتقادنا –يعني الإمامية– في الرجعة أنَّها حقٌّ).
وقال الشيخ المفيد (رحمه الله): (اتفقت الإمامية على رجعة كثير من الأموات إلى الدنيا قبل يوم القيامة، وإن كان بينهم في معنى الرجعة اختلاف).
ونقل الإجماع السيد المرتضى علم الهدى (رحمه الله) في أكثر من موضع من رسائله، فقال في كتابه (الدمشقيات): (قد اجتمعت الإمامية على أنَّ الله تعالى عند ظهور القائم صاحب الزمان (عليه السلام) يعيد قوماً من أوليائه لنصرته والابتهاج بدولته، وقوماً من أعدائه ليفعل بهم ما يستحق من العذاب.
وإجماع هذه الطائفة –قد بيَّنَّا في غير موضع من كتبنا– أنّه حجة، لأن المعصوم (عليه السلام) فيهم، فيجب القطع على ثبوت الرجعة مضافاً إلى جوازها في القدرة).
الرجعة بين السنة والشيعة:
قال الآلوسي –وهو من علماء السنة– في كتابه (روح المعاني): وكون الإحياء بعد الإماتة والإرجاع إلى الدنيا من الأمور المقدورة له عزَّ وجلَّ مما لا ينتطح فيه كبشان، إلا أن الكلام في وقوعه.
إذن فلماذا الشكّ والاستغراب لوقوع الرجعة؟ ولماذا التشنيع والنبز بمن يعتقد بها لورود الأخبار الصحيحة المتواترة عن أئمة الهدى (عليهم السلام) بوقوعها؟
ويقول الشيخ محمد رضا المظفر: لا سبب لاستغراب الرجعة، إلا أنها أمر غير معهود لنا فيما أَلِفنَاه في حياتنا الدنيا، ولا نعرف من أسبابها أو موانعها ما يُقرُّ بها إلى اعترافنا أو يبعدها.
وخيال الإنسان لا يسهل عليه أن يتقبَّل تصديق ما لم يألفه، وذلك كمن يستغرب البعث فيقول: (مَن يُحيي العِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ)[5]، فيقال له: (يُحييها الَّذِي أنشَأها أوَلَ مَرةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلقٍ عَلِيمٌ)[6].
نعم في مثل ذلك، مما لا دليل عقلي لنا على نفيه أو إثباته، أو نتخيَّل عدم وجود الدليل، يلزمنا الرضوخ إلى النصوص الدينية التي هي من مصدر الوحي الاِلهي، وقد ورد في القرآن الكريم ما يثبت وقوع الرجعة إلى الدنيا لبعض الأموات، كمعجزة النبي عيسى (عليه السلام) في إحياء الموتى.