التقسيم الخامس للخبر
أنّه بالنسبة لكون الراوي شخصاً معروفاً أو لا، ينقسم إلى: مختصّ ومشترك. والمهم في هذا التقسيم البحث في كيفية تشخيص الراوي وتمييزه عن غيره، فإنّه ربما أدى اشتراك اسم الراوي ـ بين أكثر من واحد وعدم تمييزه من بينهم، أو تردده بين أشخاص لم يرد في بعضهم توثيق، أو ورد في بعضهم تضعيف ـ إلى التوقف في الحكم مع توفر شرائط الحجّية الأخرى في الرواية.
ولابدّ من البحث في ثلاثة مواضع:
الأوّل: في منشأ الاشتراك.
الثاني: في ضوابط التمييز.
الثالث: في بعض النماذج التطبيقية.
أمّا الأوّل: فإنّ سبب الاشتراك وعدم تمييز الراوي أو تشخيصه يعود إلى أمور:
- ورود الرواية مشتملة على ذكر اسم الراوي مجرداً عن اسم الأب والجد، أو الكنية واللقب كما في كثير من الروايات الّتي وردت بعنوان «عن أحمد»، أو «عن الحسين»، أو «عن محمّد» وهكذا. وربما كان اسم الراوي معروفاً عند المخاطب في مقام نقل الرواية ولذلك لم يذكر الراوي ما زاد عن الحاجة ولكن مع بعد العهد وظهور أشخاص آخرين تحمل نفس الاسم نشأ الاشتراك والإبهام.
- ورود الرواية بالكنية فقط، كما في كثير من الروايات الّتي جاء فيها: «أبو جعفر»، أو «أبو يحيى»، أو «ابن العرزمي»، أو «ابن سنان» وأمثال ذلك فإنّ كثيراً ممّا تتشابه الكنى وإن اختلفت الأسماء.
- التشابه بين راويين أو أكثر في الاسم واسم الأب وقد يقع ذلك في زمان واحد فضلاً عن الأزمنة المختلفة، مثل «أحمد بن محمّد»، أو «محمّد بن يحيى»، أو «محمّد بن علي»، أو «الحسن بن علي»، أو «القاسم بن محمّد» وأمثال ذلك.
- التشابه في اللقب أو النسبة بين راويين أو أكثر، كالقاضي، أو الكلبي، أو البغدادي، أو النسابة، أو القرشي، أو الكوفي، أو البصري ونحو ذلك.
- التعبير في السند عن الراوي بعنوان لا يختص به، كابن فضّال، أو ابن رباط وغيرهما، والحال أنّ العنوان نفسه ينطبق على أخوتهم مثلاً. وهناك أسباب أخرى تتضح من خلال الرجوع إلى موارد الاشتراك في الروايات.
وأمّا الثاني: فالضوابط الّتي تمكننا من التمييز بين الرواة هي عدّة أمور:
- ملاحظة الطبقة من حيث الراوي والمروي عنه، وبهذا الوجه يمكن تشخيص كثير من المشتركات والتمييز فيما بينها.
- ملاحظة الأسناد المتشابهة، فقد تتشخص بعض الرواة عن البعض الآخر ولا سيما مع تكرر الأسناد في ذلك.
- نص علماء الحديث أو أصحاب الحديث على ذلك، كما في قول أحدهم: كلّما قلت أحمد بن محمّد فهو أحمد بن محمّد بن عيسى، مثلاً، أو أنّ ذلك يظهر من القرائن المحفوفة بكلامه.
- إذا كان أحد المشتركين في الاسم معروفاً في الرواية دون الآخر، كأن يكون له كتاب أو أصل ولم يكن للآخر ذلك، فإذا ورد اسم مطلق فهو ينصرف بالطبع إلى المعروف لا محالة.
- إذا كان أحد المشتركين معروفاً في الرواية من جهة كثرة رواياته دون الآخر، فإذا ورد الاسم مطلقاً انصرف إليه كما في الوجه السابق.
- إذا وردت الرواية بطريق فيه إطلاق يوجب الاشتراك وجاءت نفس الرواية بطريق آخر فيه تقييد ـ كما يظهر من كثير من روايات التهذيبين وبعض روايات الكافي والفقيه ـ حمل المطلق على المقيّد وجعل الثاني بياناً للأوّل.
وهناك طرق أخرى لرفع الإبهام والتمييز بين المشتركات يقف عليها المتتبع.
وأمّا الثالث: فقد وردت عدّة أسماء من الرواة في المشتركات ووضعت بعض الكتب للتمييز فيما بينها، ومن هؤلاء أبو بصير، وابن سنان، وأحمد بن محمّد، والقاسم بن محمّد، ومحمّد بن سليمان، ومحمّد بن قيس وغيرهم.[1]