من هم أصحاب الإجماع؟
أصحاب الإجماع: هم عدّة من فقهاء أصحاب الأئمة عليهم السلام، يتراوح عددهم بين ثمانية عشر واثنين وعشرين شخصاً وقد اتفقت الكلمة على وثاقتهم في أنفسهم وفقاهتهم ومكانتهم العلمية، فلا إشكال في وثاقة كلّ منهم وفقاهته في نفسه، وإنّما وقع الخلاف فيما عدا ذلك، أي من جهة أنّ مفاد الإجماع هل يؤدي إلى القول بصحّة مروياتهم، ووثاقة من رووا عنه أو لا؟ إذ بناء على تماميّة هذا الأمر، وتفسير معقد الإجماع به، تتسع دائرة الروايات المعتبرة لتشمل كثير من الروايات الّتي لم يثبت اعتبارها من طريق آخر.
أصل الدعوى:
الأصل في هذه الدعوى هو أبو عمرو الكشّي، فإنّه ادّعى الإجماع على تصحيح ما يصحّ عن ثمانية عشر رجلاً من أصحاب الأئمة عليهم السلام، أو تصديقهم على اختلاف يسير في تحديد أسمائهم وله في هذه الدعوى عبارات ثلاث، وهي:
الأولى: قال تحت عنوان «تسمية الفقهاء من أصحاب أبي جعفر وأبي عبد اللّه عليهم السلام»: أجمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأوّلين من أصحاب أبي جعفر وأصحاب أبي عبد اللّه عليهماالسلام، وانقادوا لهم بالفقه، فقالوا: أفقه الأوّلين ستّة: زرارة، ومعروف بن خرّبوذ، وبريد، وأبو بصير الأسدي، والفضيل بن يسار، ومحمّد بن مسلم الطائفي.
قالوا: وأفقه الستّة: زرارة، وقال بعضهم: مكان أبي بصير الأسدي: أبو بصير المرادي، وهو ليث بن البختري[1].
الثانية: قال تحت عنوان: «تسمية الفقهاء من أصحاب أبي عبد اللّه عليه السلام»: أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ من هؤلاء، وتصديقهم لما يقولون، وأقرّوا لهم بالفقه، من دون أولئك الستّة الّذين عددناهم وسمّيناهم، ستّة نفر: جميل بن درّاج، وعبد اللّه بن مسكان، وعبد اللّه بن بكير، وحمّاد بن عيسى، وحمّاد بن عثمان، وأبان بن عثمان.
قالوا: وزعم أبو إسحاق الفقيه يعني ثعلبة بن ميمون: أنّ أفقه هؤلاء جميل بن درّاج، وهم أحداث أصحاب أبي عبد اللّه عليه السلام[2].
الثالثة: قال تحت عنوان: «تسمية الفقهاء من أصحاب أبي إبراهيم وأبي الحسن الرّضا عليه السلام»: أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء، وتصديقهم، وأقرّوا لهم بالفقه والعلم، وهم ستّة نفر آخرون دون الستّة نفر الّذين ذكرناهم في أصحاب أبي عبد اللّه عليه السلام، منهم: يونس بن عبد الرّحمن، وصفوان بن يحيى بيّاع السابري، ومحمّد بن أبي عمير، وعبد اللّه بن المغيرة، والحسن بن محبوب، وأحمد بن محمّد بن أبي نصر.
وقال بعضهم: مكان الحسن بن محبوب: الحسن بن علي بن فضّال، وفضالة بن أيّوب.
وقال بعضهم: مكان ابن فضّال: عثمان بن عيسى.
وأفقه هؤلاء: يونس بن عبد الرّحمن، وصفوان بن يحيى[3].
فمجموع الّذين أجمعت العصابة على تصديقهم، أو تصحيح ما يصحّ منهم، ثمانية عشر رجلاً.
نعم، ورد في العبارة الأولى عن بعضهم أبو بصير المرادي، مكان أبي بصير الأسدي، فإذا أضيف إليهم ارتفع عددهم إلى تسعة عشر رجلاً، كما ورد في العبارة الثالثة: الحسن بن علي بن فضّال، وفضالة بن أيوب مكان الحسن بن محبوب، أو عثمان بن عيسى مكان فضالة بن أيّوب، فإذا لوحظ جميع من ذكر في العبارات الثلاث ارتفع عددهم إلى اثنين وعشرين رجلاً، وإن كان مورد الاتّفاق إنّما هو ستّة عشر رجلاً.
مفاد الدعوى:
وقع الخلاف في تحديد المراد من معقد الإجماع:
وفي المقام احتمالات خمسة:
الأوّل: ما ذكره صاحب الوافي ونسبه إلى جماعة[4]، وهو أنّ معقد الإجماع يدلّ على تصحيح روايات هؤلاء الأشخاص عنهم وعن من بعدهم، أي من رووا عنه كائناً من كان، بمعنى أنّه إذا صحّت الرواية عنهم ووصلت إلينا بطريق صحيح فهي حجة من دون حاجة إلى ملاحظة حال من بعدهم، بل ينبغي ملاحظة حال من كان في السند قبلهم أي الوسائط بيننا وبينهم. وعليه:
فالمستفاد هو أنّ رواياتهم صحيحة إذا وصلت إلينا بطريق صحيح، وأنّ صحّة الرواية لا تلازم وثاقة راويها فقد يضعف الراوي، وتنعت كتبه بالصحّة كما في الحسين بن عبيد اللّه السعدي، حيث قال عنه النجاشي: أبو عبد اللّه بن عبيد اللّه بن سهل ممّن طعن عليه ورمي بالغلو، له كتب صحيحة الحديث[5].
وقد ناقشه صاحب الوافي وأبدى احتمالاً آخر كما سيأتي.
الثاني: ما ذهب إليه جماعة منهم السيّد الداماد[6]، والشيخ البهائي[7]، والعلاّمة الحلّي[8]، والحسن بن داود[9]، والشهيد[10]، والمجلسيّان[11]، والعلاّمة بحر العلوم[12] وغيرهم، وهو أنّ معقد الإجماع يدلّ على وثاقة هؤلاء الأشخاص ووثاقة من بعدهم، بمعنى أنّ كلّ من روى عنه هؤلاء ثقات وإن كان بعضهم مجهول الحال عندنا.
فالمستفاد أنّ الروايات من طريق هؤلاء صحيحة أيضاً.
الثالث: ما نسب إلى صاحب الرياض[13]، والسيّد الكاظمي[14]، وذهب إليه صاحب الفصول[15] وغيره، وهو أنّ معقد الإجماع يدلّ على توثيق هؤلاء وصحّة رواياتهم فقط أي لا دلالة فيه على توثيق من بعدهم.
الرابع: ما ذهب إليه صاحب الوافي[16]، واختاره السيّد الأستاذ قدس سره[17]، وهو أنّ معقد الإجماع يدلّ على وثاقة هؤلاء وجلالتهم في أنفسهم فحسب، أي لا دلالة فيه على تصحيح رواياتهم، فضلاً عن وثاقة من بعدهم.
الخامس: أنّ معقد الإجماع يدلّ على بيان منزلة هؤلاء من حيث العلم والفقاهة ولا ربط له بالرواية، وهو المناسب لذكر الإجماع تحت عنوان الفقهاء من أصحاب الأئمة عليهم السلام.[18]
[1]- رجال الكشّي: 2: 507.
[2]- رجال الكشّي: 2: 673.
[3]- رجال الكشّي: 2: 830.
[4]- الوافي: 1: 12، الفائدة الثالثة.
[5]- رجال النجاشي: 1: 143.
[6]- الرواشح السماوية ـ الراشحة السابعة ـ : 47.
[7]- مشرق الشمسين ـ المطبوع ضمن كتاب الحبل المتين ـ : 270.
[8]- رجال العلاّمة الحلّي: 107.
[9]- بهجة الآمال في شرح زبدة المقال: 218.
[10]- بهجة الآمال في شرح زبدة المقال: 218.
[11]- رجال السيّد بحر العلوم: 4: 68، الفائدة الثالثة.
[12]- بهجة الآمال في شرح زبدة المقال: 218.
[13]- مقباس الهداية: 2: 182.
[14]- مستدرك الوسائل: 3: 361، الطبعة القديمة.
[15]- الفصول الغروية ـ فصل معرفة توثيق المزكي للراوي ـ .
[16]- الوافي: 1: 12، الفائدة الثالثة.
[17]- معجم رجال الحديث: 1: 59.
[18]- أصول علم الرجال ج1 ص 119 - 123