حدثت غزوة مؤتة في السابع من جمادي الأولى سنة ثمان من الهجرة بعد خيبر بشهرين وحقها أن تسمى سرية كما في طبقات إبن سعد لأن الغزوة عندهم ما غزاها رسول الله ص بنفسه والسرية بخلافها.
وكان سببها أن رسول الله ص بعث الحارث بن عمير الأزدي بكتاب إلى هرقل ملك الروم بالشام فلما نزل مؤتة عرض له شرحبيل بن عمرو الغساني من إمراء قيصر على الشام فقال أين تريد لعلك من رسل محمد؟ قال نعم، فأوثقه رباطا ثم قدمه فضرب عنقه ولم يقتل لرسول الله ص رسول غيره فلما بلغه ذلك إشتد الأمر عليه فجهز ثلاثة آلاف من أصحابه وبعثهم إلى بلاد الروم.
وفي رواية أبان بن عثمان عن الصادق ع أنه إستعمل عليهم جعفر بن أبي طالب فإن قتل فزيد بن حارثة فإن قتل فعبد الله إبن رواحة.
وأمرهم النبي ص أن يأتوا مقتل الحارث فيدعوهم إلى الإسلام فان أجابوا وإلا إستعانوا الله عليهم، وودعهم رسول الله ص وأوصاهم بتقوى الله وقال إغزوا بإسم الله فقاتلوا عدو الله وعدوكم بالشام وستجدون فيها رجالاً في الصوامع معتزلين فلا تتعرضوا لهم ولا تقتلوا امرأة ولا صغيرا ولا كبيرا فانيا ولا تقطعوا شجرة ولا تهدموا بناءا
فلما فصل المسلمون من المدينة سمع العدو بمسيرهم فجمعوا لهم وقام فيهم شرحبيل بن عمرو فجمع أكثر من مائة ألف وقدم الطلائع أمامه فساروا حتى نزلوا معان (منطقة) من أرض الشام فأقاموا بمعان ليلتين ينظرون في أمرهم هل يبعثون لرسول الله ص ويخبرونه بعدد عدوهم فإما أن يمدهم أو يأمرهم بأمر فيمضوا له؛ فشجعهم عبد الله بن رواحة فقال: يا قوم والله إن الذي تكرهون للذي خرجتم تطلبون الشهادة ونحن ما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله تعالى به فإنما هي إحدى الحسنيين إما ظهور وإما شهادة فقال الناس صدق والله إبن رواحة فمضوا للقتال وأخذ الراية جعفر بن أبي طالب فقاتل حتى إذا إشتد القتال إقتحم عن فرس له شقراء فعقرها وكان أول من عقر فرسه في الإسلام ثم قاتل فقطعت يمينه فأخذ الراية بيساره فقطعت يساره فإحتضن الراية وقاتل حتى قتل (رض) فروي أنه وجد ما بين صدره ومنكبيه وما أقبل منه تسعون جراحة ما بين ضربة وطعنة وقيل ضربه رومي فقطعه نصفين فوجد في أحد نصفيه بضعة وثلاثون جرحاً فأخذ الراية زيد بن حارثة ولما قتل أخذها عبد الله بن رواحة وتقدم فقاتل حتى قتل ثم أخذ الراية خالد بن الوليد فإنحاز بالناس ورجع إلى المدينة فلقيهم المسلمون يحثون في وجوههم التراب ويقولون يا فرارون فررتم في سبيل الله فقال رسول الله ص بل هم الكرارون
وذكر الشيخ الصدوق: حين وصل نبأ شهادة جعفر إلى النبي صلی الله عليه وآله وسلم، دخل على عائلة جعفر، وبدأ يبكي بكاءاً شديداً.
وعن كتاب المحاسن أن رسول الله ص لما إنتهى إليه قتل جعفر بن أبي طالب دخل على أسماء بنت عميس زوجة جعفر فقال لها أين بني جعفر فدعت بهم وهم ثلاثة عبد الله وعون ومحمد فمسح رسول الله ص رؤوسهم فقالت إنك تمسح رؤوسهم كأنهم أيتام فقال ص يا أسماء أ لم تعلمي أن جعفراً استشهد فبكت فقال لها لا تبكِ فإن الله أخبرني أن له جناحين في الجنة من ياقوت أحمر، فقالت يا رسول الله لو جمعت الناس وأخبرتهم بفضل جعفر لا ينسى فضله، فعجب رسول الله ص من عقلها ثم قال إبعثوا إلى أهل جعفر طعاما فجرت به السنة.
ويروى عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال بحق جعفر: إن الله أبعد جعفر عن أربعة خصال في أيام الجاهلية، قيل وما هي؟ فقال: (عدم شرب الخمر، ولم يقل الكذب، والإبتعاد عن الفحشاء، ولم يعبد الأصنام)
ويقع مرقد الشهيد جعفر الطيار في بقعة تبعد عن موقع معركة مؤتة حوالي (75 كم) ولقد عُرفت المنطقة التي تضم رفات شهداء (مؤتة) بـ(المزار) نظراً لوجود مراقد ومزارات أولئك الشهداء، و أبرز تلك المراقد هو مرقد جعفر الطيار.
فسلام عليه يوم قاتل في سبيل الله ويوم إستشهد ويوم يبعث حيا.