الاسراء والمعراج
الشيخ مصطفى حسن الحميداوي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد واله الطيبين الطاهرين ....
بسم الله الرحمن الرحيم
(سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)[1]
تسمى هذه السورة المباركة بسورة الاسراء ولها اسم آخر وهو سورة بني اسرائيل ويذكر الشيخ الطبرسي صاحب تفسير مجمع البيان رواية في فضل هذه السورة المباركة عن الامام الصادق (عليه السلام) انه قال: (من قرا سورة بني اسرائيل في كل ليلة جمعة لم يمت حتى يدرك القائم ويكون من اصحابه) والآية الاولى تتحدث عن اسراء النبي (صلى الله عليه واله) من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى والاسراء هو السفر ليلاً، بينما يطلق على السفر النهاري كلمة سير وهذا السفر(الاسراء) هو معجزة من معاجز النبي (صلى الله عليه واله) حين انه تم في ليلة واحدة فقط وذلك بانه (صلى الله عليه واله) صلى صلاة المغرب في المسجد الحرام وأُسري به ثم رجع صلى الصبح في المسجد الحرام ايضاً وهذا وقت قياسي حيث ان المسافة بين المسجد الحرام والمسجد الاقصى بعيدة وبشروط مواصلات ذلك الزمان والآية المباركة قد كرمت رسول الله (صلى الله عليه واله) حيث أطلقت مقام العبودية على رسول الله (صلى الله عليه واله) وهو مقام سامي للإنسان واستحق بهذا المقام شرف الاسراء حيث لم يسجد جبين رسول الله (صلى الله عليه واله) لشيء سوى الله عز وجل، ونستفيد ايضاً من كلمة (عبد) ان الاسراء وقع في اليقظة لا في المنام وان (صلى الله عليه واله) بالروح والجسد معاً لا بالروح فقط لان كلمة عبد تطلق على الروح والجسد معاً والهدف من هذا السفر الاعجازي ان يشاهد رسول الله(صلى الله عليه واله) آيات العظمة الالهية وان تمتلئ روح رسول الله (صلى الله عليه واله) اكثر بدلائل العظمة الربانية وآيات الله في السماوات ولتجد روحه السامية من هذه الآيات زخماً إضافياً يوظفه (صلى الله عليه واله) لهداية الناس الى رب السماوات والارض لذلك عبرت الآية الكريمة عن المسجد الاقصى بـ(الذي باركنا حوله) فان اطرافه تمتاز بالبركة والافضلية واحتمل المفسرون احتمالين في معنى البركة الاحتمال الاول ان يكون مراد الآية البركة الظاهرية المتمثلة بما تهبه الارض الخصبة الخضراء من مزايا العمران والانهار والزراعة، والاحتمال الثاني ان تحمل البركة على قواعد الفهم المعنوي حيث تشير الى ما تمثله هذه الارض في طوال التاريخ من كونها مركزاً للنبوات الإلهية ومنطلقاً لنور التوحيد.
وهناك روايات تتحدث بالتفصيل عن كيفية اسرائه الى السماوات السبع حيث انه(صلى الله عليه واله) يرى في كل سماء مجموعة من الامور الغيبية، ورأى بعض الانبياء في السماوات وانه امَّ الملائكة للصلاة في السماء ويروي لنا صاحب تفسير الصافي ان النبي (صلى الله عليه واله) ناداه ربه اني فرضت على كل نبي كان قبلك خمسين صلاة وفرضتها عليك وعلى امتك فقم بها انت في امّتك فقال رسول الله (صلى الله عليه واله) فانحدرت حتى مررت على ابراهيم (عليه السلام) فلم يسألني عن شيء حتى انتهيت الى موسى (عليه السلام) فقال: ما صنعت يا محمد فقلت: قال ربي: فرضت على كل نبي كان قبلك خمسين صلاة وفرضتها عليك وعلى امتك فقال موسى: يا محمد ان امتك آخر الامم واضعفها وان ربك لا يرد عليك شيئاً وان امتك لا تستطيع ان تقوم بها فارجع الى ربك فاسأله التخفيف لامتك فرجعت الى ربي حتى انتهيت الى سدرة المنتهى فخررت ساجداً ثم قلت: فرضت علي وعلى امتي خمسين صلاة ولا اطيق ذلك ولا امتي فخفف عني ، فوضع عني عشراً فرجعت الى موسى (عليه السلام) فأخبرته فقال: ارجع الى ربك لا تطيق فرجعت الى ربي فوضع عني عشراً فرجعت الى موسى (عليه السلام)فأخبرته فقال: ارجع الى ربك لا تطيق فرجعت الى ربي فوضع عني عشراً فرجعت الى موسى (عليه السلام) فأخبرته فقال: ارجع وفي كل رجعة ارجع اليه اخر ساجدا حتى رجع الى عشر صلوات فرجعت الى موسى (عليه السلام) واخبرته فقال: لا تطيق، فقلت: قد استحييت من ربي ولكن اصبر عليها فناداني منادٍ كما صبرت عليها فهذه الخمس بخمسين كل صلاة بعشر ومن هم من امتك بحسنة يعملها فعملها كتبت له عشرا وان لم يعملها كتبت له واحدة ومن هم من امتك بسيئة فعملها كتبت عليه واحدة وان لم يعملها لم اكتب عليه فقال الصادق (عليه السلام): (جزى الله موسى عن هذه الامة خيراً) انظر ايها المؤمن كيف خفف الله تعالى التكاليف عن امتنا الاسلامية فلا يوجد حكم من الاحكام خارج عن استطاعة الانسان فنرى مثلا من لا يستطيع القيام في الصلاة فحكمه ان يصلي من جلوس على تفصيل مذكور في الكتب الفقهية ومن كان الوضوء مضرا به فتنتقل وظيفته الى التيمم فالدين الاسلامي شامل لكل قضية من قضايانا كبيرها وصغيرها من القضايا العقائدية المهمة الى طريقة الاكل والشرب والدخول الى بيت الخلاء والاحكام الشرعية ترفق بالإنسان.
نرجع الى صلب الموضوع وهو قضية الاسراء والمعراج ويروي لنا العلامة المجلسي صاحب البحار فضيلة لأمير المؤمنين (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه واله) انه قال: سئل بأي لغة خاطبك ربك ليلة المعراج فقال: خاطبني بلغة علي بن ابي طالب (عليه السلام) فأُلهمت ان قلت: يا رب خاطبتني ام علي فقال: يا احمد انا شيء ليس كالأشياء ولا اقاس بالناس ولا اوصف بالأشياء، خلقتك من نوري وخلقت عليا من نوري فاطلعت على سرائر قلبك فلم أجد الى قلبك أحب من علي بن ابي طالب فخاطبتك بلسانه كيما يطمئن قلبك.
انظر الى عناية الله تعالى بالنبي (صلى الله عليه واله) وعلي (عليه السلام) ولا يوجد احد اقرب الى الله من اهل البيت (عليهم السلام) حيث جعلهم الله الحجة على العباد ولكن لم تقدر الامة منزلة اهل البيت حتى استشهد الواحد تلو الاخر ولم يقتصر الامر على القتل بل اخذ اهل البيت سبايا، يقول دعبل الخزاعي
بنات زياد في القصور مصـــونة وآل رسول الله في الفلوات
وآل رسول الله تسبى حريمهم وآل زياد ربـــة الحـجــــلات
اي والله بنات زياد مخدرات ومعززات وبنات رسول الله سبايا يحدو بهن الاعداء من بلد الى بلد ليس لهن من حماتهن حمي ولا من رجالهن ولي وهن مخدرات النبوة وودائع الرسالة، واذا بهن في تلك الخربة التي لا تقيهن من حرارة الشمس يقول المنهال بن عمرو: رأيت الامام زين العابدين (عليه السلام) يتمشى في ازقة دمشق وساقاه كالقصبتين محمرتين قلت له يا سيدي الى اين مع ما ارى بك من الضعف قال: يا منهال لقد تقشرت وجوه عماتي واخواتي من حرارة الشمس يا منهال انا اخرج سويعة انفس عن ضعف بدني، يقول المنهال بينما انا اكلمه ويكلمني واذا بامرأة تقوم وتقع تنادي الى اين يا حمانا الى اين يا رجانا...