كتاب تحف العقول عن آل الرسول صلّى اللّه عليهم
قد يقال بصحّة روايات الكتاب، في مقابل القول بأنّ رواياته مرسلة، ولا اعتبار بشيء منها، وذلك استناداً إلى شهادة مؤلِّفه حيث قال في مقدمته: «ووقفت ممّا انتهى إليَّ من علوم السادة عليهم السلام على حِكم بالغة، ومواعظ شافية، وترغيب فيما يبقى، وتزهيد فيما يفنى، ووعد ووعيد، وحض على مكارم الأخلاق والأفعال، ونهي عن مساويها، وندب إلى الورع وحث على الزهد ... ـ إلى أن قال ـ : وأسقطت الأسانيد تخفيفاً وإيجازاً، وإن كان أكثره سماعاً ... بل خذوا ما ورد إليكم عمّن فرض اللّه طاعته عليكم، وتلقوا ما نقله الثقات عن السّادات بالسمع والطاعة، والانتهاء إليه والعمل به ...»[1]. والمستفاد منها أنّ ما ضمنه كتابه نقله الثقات عن الأئمة عليهم السلام، وأن الروايات مسندة، إلاّ أنّه حذفها روماً للتخفيف والإيجاز. والتحقيق يقتضي البحث في ثلاث جهات:
الجهة الأولى: المؤلِّف:
هو الشيخ أبو محمّد الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحراني، وصفه الحر العاملي في الوسائل بالشيخ الصّدوق[2]، وقال عنه في أمل الآمل: «فاضل محدّث جليل، له كتاب تحف العقول عن آل الرسول، حسن كثير الفوائد مشهور ...»[3].
وقال عنه الشيخ إبراهيم القطيفي ـ المعاصر للمحقّق الكركي ـ في خاتمة كتاب الفرقة الناجية: «الحديث الأوّل: ما رواه الشيخ العالم الفاضل العامل الفقيه النبيه أبو محمّد الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحراني ...»[4].
وقال صاحب الرياض: «الفاضل العالم الفقيه المحدّث المعروف صاحب كتاب تحف العقول عن آل الرسول»[5].
وذكره المحدّث القمّي في سفينة البحار فقال: «الحراني أبو محمّد الحسن بن علي بن شعبة كان رحمه الله عالماً فقيهاً محدّثاً جليلاً من مقدمي أصحابنا صاحب كتاب تحف العقول وهو كتاب نفيس كثير الفائدة، قال الشيخ الجليل العارف الرّباني الشيخ حسين بن علي بن صادق البحراني في رسالته في الأخلاق والسلوك إلى اللّه على طريقة أهل البيت عليهم السلام في أواخرها: ويعجبني أن أنقل في هذا الباب حديثاً عجيباً وافياً شافياً عثرت عليه في كتاب تحف العقول للفاضل النبيل الحسن بن علي بن شعبة من قدماء أصحابنا حتى أنّ شيخنا المفيد ينقل عن هذا الكتاب وهو كتاب لم يسمح الدهر بمثله ...»[6].
أقول: إنّ ابن شعبة وإن كان من القدماء ومعاصراً للشيخ الصّدوق رحمه الله، وهو من تلاميذ أبي علي محمّد بن همّام بن سهيل الإسكافي المتوفى سنة 336 هـ، ويروي عنه المفيد المتوفى سنة 413 هـ [7]. لم تتعرض الكتب الرجالية لترجمته عدا من ذكرنا كلماتهم وهم من المتأخّرين، إلاّ أنّه لما كان من المشهورين فمن البعيد أن يكون مدح هؤلاء له وثناؤهم عليه من دون مستند، ومن المظنون قوياً أن يكون مدركهم أقوال أو كتب من تقدمهم وإن لم تصل إلينا فجانب الحس في كلماتهم أقوى من الحدس. وبهذا يكتفى في اعتباره، والحكم بوثاقته، بل المستفاد من أقوالهم أنّه من الأجلاّء.
والحاصل: أنّ هذه الجهة تامّة ولا إشكال فيها.
الجهة الثانية: الطريق إلى الكتاب:
فقد عدّه صاحب الوسائل من الكتب المعتمدة الّتي وصلت إليه، إلاّ أنّه لم يذكر له طريقاً بخصوصه، نعم قال في آخر كلامه: «ونروي باقي الكتب بالطرق المشار إليها والطرق المذكورة عن مشايخنا وعلمائنا رضي اللّه عنهم جميعاً»[8]. ولا شك في دخول هذا الكتاب في قوله: «الطرق المذكورة عن مشايخنا» دون قوله «الطرق المشار إليها». هذا مضافاً إلى أنّ صاحب الوسائل قد صرّح في كتابه أمل الآمل: بأنّ الكتاب مشهور. وهو المستفاد من كلام الشيخ البحراني الّذي نقله المحدّث القمّي كما تقدّم.
والحاصل: أنّ وجود الطريق ـ ولو إجمالاً، والشهادة بأنّ الكتاب مشهور وإن لم نظفر نحن بالطريق ـ كاف في اعتبار الكتاب. وبذلك يخرج الطريق إلى الكتاب عن الإرسال.
الجهة الثالثة: الشهادة ودلالتها:
فالّذي يظهر من كلام المصنّف أمور ثلاثة:
الأوّل: أنّ روايات الكتاب كلّها مسندة، وإنّما حذفها روماً للتخفيف والإيجاز.
الثاني: أنّ أكثر روايات الكتاب مسموعات.
الثالث: أنّ روايات الكتاب نقلها الثقات عن الأئمة السادات عليهم السلام. وبضم أحدهما للآخر يمكن استظهار صحّة روايات الكتاب.
والّذي ينفع في المقام لإثبات اعتبار روايات الكتاب الأمران الأوّل والثالث ولكن الإنصاف عدم صراحة كلامه في ذلك، بمعنى أن يكون هذان الأمران ينطبقان على جميع روايات الكتاب فإنّ عباراته لا تخلو من إجمال، فإنّ قوله: «ما نقله الثقات عن السادات»، كما يحتمل أن يكون المراد به جميع السند يحتمل أن يكون الراوي الأخير فقط، وإن كان أمره بالقبول والعمل يقوّي الاحتمال الأوّل. فإن تمكنّا من تحصيل الاطمئنان بهذه الشهادة، أي أنّ جميع روايات الكتاب كلّها كانت مسندة، وكلّها عن الثقات، فلابدّ من الحكم بالصحّة والاعتبار وإلاّ فلا، والإحتياط في محلّه[9].