مناسبات الشهر
مناسبات شهر شوال 1 شوال عيد الفطر المبارك. هلاك عمرو بن العاص في مصر سنة (41هـ).   3 شوال معركة الخندق سنة (5هـ) على رواية. هلاك المتوكل العباسي بأمر ابنه المنتصر سنة (247هـ).   4 شوال غزوة حنين سنة (8هـ) على رواية. ضُربت فيه السكة (النقود) باسم الإمام الرضا (ع) سنة (201هـ). وفاة الشيخ حسين الحلي (قد) سنة (1394هـ).   5 شوال خروج أمير المؤمنين (ع) من النُّخيلة متوجهاً إلى صفين لمواجهة معاوية سنة (36هـ). وصول مبعوث الامام الحسين (ع) مسلم بن عقيل الى الكوفة سنة (60هـ).   6 شوال رد الشمس لأمير المؤمنين (ع) ببابل سنة (36هـ) بعد رجوعه من قتال الخوارج. خروج أول توقيع من الإمام المهدي (ع) إلى سفيره ونائبه الثالث الحسين بن روح النوبختي (رض) سنة (305هـ).   8 شوال الهدم الثاني لمراقد البقيع الطاهرة من قبل الوهّابيين سنة (1344هـ/ 1924م).   12 شوال وفاة الشيخ البهائي (قد) سنة (1030هـ).   13 شوال وفاة السيد حسين البروجردي (قد) سنة (1380هـ).   14 شوال هلاك عبد الملك بن مروان بن الحكم بدمشق سنة (86هـ). وفاة السيد عبد العظيم الحسني (رضوان الله عليه) سنة (252هـ). وفاة الشيخ قطب الدين الراوندي (قد) سنة (573هـ).   15 شوال معركة احد وشهادة حمزة سيد الشهداء (ع) سنة (3هـ). رد الشمس للإمام أمير المؤمنين (ع) في المدينة المنورة في مسجد الفضيخ والمعروف بمسجد رد الشمس سنة (3هـ). غزوة بني القنيقاع سنة (2هـ).   16 شوال وفاة الشيخ عبد الله المامقاني (قد) سنة (1351هـ).   17 شوال غزوة بني سليم سنة (2هـ). وفاة أبي الصلت الهروي (رض) بعد خروجه من سجن المأمون سنة (203هـ).   18 شوال وفاة الشيخ محمد بن إدريس بن أحمد الحلي (ره) المعروف بـ(ابن إدريس) سنة (598هـ). 19 شوال   20 شوال القبض على الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع) وترحيله من المدينة إلى العراق قسراً وحبسه بأمر هارون العباسي سنة (179هـ).   23 شوال وفاة السيد نعمة الله الجزائري (قد) سنة (1112هـ).   25 شوال شهادة الامام جعفر بن محمد الصادق (ع) سنة (148هـ).   27 شوال خروج النبي الأكرم (ص) الى الطائف لدعوتهم الى الإسلام.   29 شوال وفاة الشيخ الوحيد البهبهاني (قد) سنة (1205هـ).

جديد كل ما حكم به العقل

الشيخ عادل هاتف العابدي

 

تقديم

      الحمد لله رب العالمين وبه نستعين والصلاة والسلام على سيد الخلق أجمعين أبي القاسم محمد الأمين وعلى آله الطيبين الطاهرين

      أما بعد؛

      فإن التعريف بالقواعد الأصولية وضبطها وتقنينها ضرورة معرفية في عالم الفقه لا يكاد يستغني عنها فقيه؛ حيث لم يعد دور عملية استنباط الأحكام الشرعية منحصراً ببيان بعض القواعد الأصولية والإكتفاء بها، ولا بدائرة الروايات، وإنما أخذت عملية الإستنباط وضعها الطبيعي ودورها المناسب لها، وما ذاك إلا لإتساع أفق الأسس والقواعد الأصولية في ضل إهتمام وإشتغال علمائنا الأعلام بتنقيحها وبيان حدودها وضوابطها وتخريجها بأحسن حال، مما جعل اتباع أهل البيت (عليهم السلام) -ونقصد أصحاب الفن والصنعة- يتفردون بعلم أصول الفقه بهذا العرض الذي لم يسبقهم اليه سابق.

      ونظراً لما تشتمل عليه معرفة القواعد الأصولية من الأهمية البالغة للطالب في مرحلة السطح العالي فقد إهتم شيخنا الأستاذ (دام توفيقه)[1]، كثيراً بالحثِّ على منهجة هذه القواعد ودراستها بصورة نظرية كي تلبّي حاجة حقيقية لا يمكن قضاؤها إلا من خلال هذه المعرفة.

      ومن جملة القواعد التي اختارها هي قاعدة: (الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع) وذلك لما يلي:

      أولاً: إن فهمها يعد عاملاً مهماً في حلِّ كثير من الطلاسم الأصولية؛ كونها مصدر الإضطراب في مباحث الأصول وسبب الخلاف بين الأصوليين وغيرهم من الأشاعرة والإخباريين.

      ثانياً: التمييز بين المقدمات العقلية ورفض ما لم يقبله الأئمة (عليهم السلام) منها كالقياس والإستحسان؛ كون القياس هو حكم عقلي وهو ذات الملازمة العقلية.

      وبعد التوكل على الله سبحانه شرعنا بالبحث عنها بمختلف السبل، مستفيدين من آراء السلف من علمائنا الأبرار (رض) وجعلناها منطلقاً للبحث.

      وبسبب إهتمام الأصوليين بهذه القاعدة وكثرة المباحث فيها فقد فوجئنا بمواجهة صعوبات لا يكاد وصفها للخوض في خضم بحر متلاطم الأمواج من الآراء الأصولية مختلفة بين النقض والإبرام، إضافة الى تقيُدنا بأغلال الإختصار مع ضيق الوقت مما يؤثر سلباً على منهجية البحث بل ويجعله غير متكامل الأطراف، فإن استطاع هذا البحث أن يقرب ولو صورة مبسطة عن هذه القاعدة, فهو غاية المطلوب، كما أننا لا ندَّعي أن البحث مطابق للواقع تماماً وإنما هو على مستوى طالب الكفاية.

      ويمكن التنويه بمسألةٍ هي اننا قد اعتمدنا -لأسباب متعددة- في استلال آرائهم غالباً على مكتبة أهل البيت (عليهم السلام) الألكترونية، دون الكتب المطبوعة.

      وقد سار البحث على وفق هيكلية خاصة اشتملت على مقدمة، ومبحثان، وخاتمة، إذ اقتضت طبيعة البحث أن نجعله في مبحثين، وإن كان هناك مباحث أُخر أعرضنا عنها رعاية للإختصار:

      المبحث الأول: التعريف بمفردات القاعدة.

      المبحث الثاني: أسئلة في مدار البحث.

      وأما الخاتمة فقد تضمَّنت خلاصة ما توصل اليه البحث.

      هذا ما أجهدنا فيه أنفسنا قربة الى الله تعالى، ونسأله سبحانه أن يتقبله منّا، وأن يرزقنا ومن أخذ بأيدينا شفاعة سيد الشهداء (عليه السلام( يوم الورود.

 

تمهيد

      ينبغي لنا قبل الخوض في البحث أن نقف على أصل ومنشأ هذه القاعدة بنحوٍ يساهم في توضيحها وتيسير فهمها، كونها مرتبطة بمسألة مهمة وحساسة جداً وهي إختلاف المسلمين بشأن قدرة العقل على الحكم بحسن الأشياء وقبحها بين منكر لها كالأشعرية وأهل السنة، ومثبت لها كالعدلية -الإمامية والمعتزلة- وما ذلك إلا لإرتباطها بمسائل عقائدية مهمة كالإعتقاد بعدالة الباري سبحانه، والإمامة، إذ أن الضرورة العقلية تُلزم بوجود حجة الله تعالى وهو الإمام، وإن كان هناك سيلاً من الأدلة النقلية إلا أن الأشعرية يمكنهم التخلص منها بتأويلها وإنكارها، أما الأدلة العقلية فلا يطالها التأويل إلا بسلب قدرة العقل على الحكم والرجوع الى حكم المنقول الذي يمكن تأويله، ولذا تمسك بها العدلية.

      ومن هنا نشأت هذه القاعدة في أوساط علم الكلام[2]، وكانت من القواعد المعروفة في الكتب الكلامية التي عُنوِن فيها النزاع مع الأشاعرة، فكان أصل نزاعهم في أنه (هل للأفعال حسن وقبح بحسب ذواتها ولها قيم ذاتية في نظر العقل قبل فرض حكم الشارع عليها أو ليس لها ذلك وإنما الحسن ما حسنه الشارع والقبيح ما قبحه والفعل مطلقاً في حد نفسه من دون حكم الشارع ليس حسناً ولا قبيحاً)[3].

      وتفرع منه القول أنه إن ثبت الحسن والقبح الذاتي للأفعال فهل للعقل قدرة على إدراك ذلك قبل فرض حكم الشارع عليه، فإن أدركه فهل يحكم العقل بالملازمة بين حكمه وحكم الشارع، فإن حكم بها فهل حكمه حجة، ومن هنا وقع نزاع آخر بين بعض الإخباريين والعدلية في إنكار هذه الملازمة.

      ولما كان علم الأصول هو العلم بالعناصر المشتركة لأستنباط الحكم الشرعي، فقد أدخلها الأصوليون في مسائله كونها تعد عنصراً مشتركاً في عملية الأستنباط (بل ثبوت الشرائع من أصلها يتوقف على التحسين والتقبيح العقليين,ولو كان ثبوتها من طريق شرعي لأستحال ثبوتها)[4]، للزوم التسلسل.

      ومن هنا يتضح لنا جلياً أهمية هذه القاعدة حيث أن معرفة أهمية أي قاعدة مبتنية على معرفة أهمية المسائل المترتبة على صحة تلك القاعدة أو عدمها، وكما أشرنا أن هذه القاعدة لها إرتباط وثيق بالعديد من المسائل المهمة التي لا يسع المجتهد التغاضي عنها بحال من الأحوال.

      ولذا فنحن لا نزال نرى علماء الإصول يتحفوننا ببحوث وتدقيقات جديدة قائمة على التعمق والسعة في تلك القاعدة وأمثالها.

      وبعد هذا البيان المختصر ننتقل الكلام للمبحث الأول عن هذه القاعدة ومنه سبحانه نستمد العون.

 

المبحث الأول

التعريف بمفردات القاعدة

      إن القواعد الأصولية إذا لم تُفَسَّر معاني مفرداتها لم يتح لها أن تكشف واقع الأمر، ولذا نجد التغيير فينةً بعد فينةٍ في مفردات القواعد، وإن إتَّحَدت منشأً ومضموناً، ونعتقد أن هذا أنجح أسلوب في الحفاظ على ماهية تلك القواعد والأسس وديمومتها، بل يتيح لها التفاعل مع الزمان وعدم إندراسها.

      ومن هنا ينبغي لنا التعرض لبيان مفردات قاعدة: (كل ما حكم به العقل حكم به الشرع)، لكي يتجلى لنا بوضوح عمق هذه القاعدة، ولِنَستفيد من ذلك في فهم المباحث الآتية.

 

      كُل: تفيد العموم أي عموم الحكم بإعتبار شموله لجميع أفراد الموضوع, ولعله عموم استغراقي أو مجموعي دون البدلي؛ ضرورة أنه غير متصوَّر في المقام.

      والأول: هو أن يكون الحكم شاملاً لكل فرد فرد فيكون كل فرد وحده موضوعاً للحكم. وهو مختارنا.

      أما الثاني: فهو أن يكون الحكم ثابتاً للمجموع بما هو مجموع فيكون المجموع موضوعاً واحداً.

      فإن قلنا بالأول كان الملحوظ هو نفس حكم العقل؛ وعليه فيناسبه القول بأن بعض الأفراد غير مشمولة بالحكم، أي على نحو القضية الخارجية.

      وإن قلنا بالثاني كان الملحوظ هو نفس العقل؛ وعليه فيناسب هذا القول أن تكون هذه القضية على نحو القضية الحقيقية، بمعنى أن الحكم يكون منصباً على الأفراد المحققة الوجود والمقدرة معاً، أي ما سيحكم به العقل مستقبلاً.

      لكن الإلتزام بالقول الثاني يلزم منه مخالفة لقاعدة أخرى وهي: (إمتناع صدور الكثير من الواحد) -على فرض صحتها- وحينئذٍ لا يخلو الحال من احتمالات أربع لا خامس لها:

      إما أن نلتزم بمخالفة القاعدة ونقول بصحتهما معا وهذا ممتنعٌ؛ ضرورة أن القواعد العقلية لاتتعارض.

      ويتفرع عليه عدم صحة تساقطهما معاً. مضافاً لوجود العلم الإجمالي بصحة أحدهما لا على التعيين.

وإما أن نلتزم بنفي العموم المجموعي فيتعيَّن الإستغراقي.

      ورابعاً الإلتزام بنفي قاعدة إمتناع صدور الكثير من الواحد بالوحدة الحقة الحقيقية الأصيلة؛ إذ المتوحد بتلك الوحدة هو الله تعالى، ويصح أن يصدر الكثير منه، أي: أن قاعدة إمتناع صدور الكثير من الواحد لا أصل لها.

      ولو رجعنا الى كلمات الأعلام في المقام فلا نجد الكلمة الفصل في هذه القضية وكأنها قضية سيالة تابعة لإعتبارات المعتبرين، فيبقى الباحث كما قيل: (ألهَف مِن قالِبِ الصخرة)!!!

       فقد جاء في أجود التقريرات: (وبالجملة إذا لم تقم قرينة خارجية على إرادة العموم الاستغراقي فالظاهر من العموم سواء كان مدلولا اسميا أم حرفيا أم مدلولا سياقيا هو إرادة العموم المجموعي دون الاستغراقي (قلت) ان لفظ كل وإن كان لا يصدق بمفهومه على كل واحد واحد من افراد مدخوله الا انه انما يؤخذ في الموضوع مرآة ليثبت الحكم لكل فرد بخصوصه)[5].

      وبعضهم فصَّل في القضية والظاهر أنه أختار القول الأول؛ أي الإستغراقي, ولعله فراراً من الآثار المترتبة على القول الثاني.

      جاء في تفسير القرآن: (مقتضى القواعد هو أن " كل": إما يكون هو المخبر عنه، أو يكون المدخول مخبرا عنه، فإن كان هو المخبر عنه فهو مفرد مذكر، لا يرجع إليه إلا الضمير المجرد، ويكون -حينئذ- مفاد العام المجموعي، ضرورة أن وحدة النظر إلى المدخول تحصل بوحدة النظر إلى الكل، وإن كان المخبر عنه هو المدخول فالضمير تابع المدخول، فإن كان من قبيل الناس والقوم فيرجع ضمير الجمع إليه، وإن كان من قبيل النفس يرجع إليه ضمير المفرد المؤنث . . . وهكذا. وأما فيما إذا كان المدخول مفردا مذكرا فإنه وإن يمكن رجوع الضمير إلى لفظة "كل" وإلى المدخول إلا أن الظاهر رجوعه إلى المدخول، لأنه قلما يتفق أن يكون النظر إلى معنى الكل، بحيث يكون هو المخبر عنه)[6].

      نعم، ما يهوِّن الخطب أن الحقائق الحكمية والدقائق العلمية لا تُقتنص من الإطلاقات اللغوية ولا من الدلالات الوضعية.

 

      ما: وفيها أقوال أهمها أن تكون: إما موصولة أو معرفة تامة بمعنى الشيء أو أسماً نكرة خاصة بمعنى شيء. والأخير هو المتعين.

      والأول غير وارد لأن الموصولة تفيد العموم كالتي في قوله تعالى: (وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ)[7].

      وهل يجوز إستعمال أداتين تدخل احداهما على الآخرى وكلاهما يفيد العموم؟

      ولعله يجوز إن كان على نحو التأكيد نحو: (كل الناس أفقه من عمر..).

      نعم، البليغ لا يرى مسوغاً للتأكيد في هذه القاعدة.

      مضافاً الى أن من ضروب صلة الموصول كونها جملة فعلية ولها شروط ذكرها النحاة[8] منها: أن تكون خبرية أعني محتملة للصدق والكذب, وهذا غير متحصل في المقام.

      والثاني كذلك لعدم صحة المعنى فإنه سيكون التقدير حينئذٍ (كل الشيء حكم به العقل حكم به الشرع).

      وأما الثالث فقد سميت نكرة لأنها بمعنى (شيء)، وسميت ناقصة لأنها تحتاج الى توصف، والشيء هنا موصوف بأنه حكم عليه العقل، ولا يتأتى القول بأنها نكرة تامة؛ كونها لا توجد إلا في التعجب وباب المدح والذم.

      وعليه فيكون التقدير حينئذٍ: (كل شيءٍ موصوف بأنه محكوم عليه عقلاً ...).

      ولنا أن نسأل ما هو المراد من (الشيء) هل هو الأمر الوجودي أم العدمي أو الاعم منهما؟

      الظاهر من كلمات بعض الأعلام أن المراد من الشيء هو الأمر الوجودي، لأن المعدوم ليس بشئ[9] والشيء حال عدمه لايكون موجوداً.

      كما أن مقصودهم من الشيء في المقام هو الفعل دون الإسم؛ أي: (كل فعل حكم به العقل...)

 

      ولنا أن نسأل ثانياً: هل المقصود من الشيء الكليات مثل الظلم قبيح أو الجزئيات بأن يُرجع العقل كل فعلٍ الى أصله؟

      في الجواب وجوه ثلاثة لا رابع لها:

      الوجه الاول: أن المقصود منه الكليات دون الجزئيات.

      وهذا هو مختار مشهور الأصوليين؛ كون الشيء إن كان المقصود منه الكليات مثل الظلم قبيح والعدل حسن، فالعقل يحكم بذلك قطعاً، ويحكم أيضاً بأن الشارع يحكم به.

      وفيه: هل العقل له القدرة على إدراك الكليات؟

      إن العقل لايقدر على إدراك بعض الكليات، وهي الأفعال بما هي هي، نعم، يمكن أن يدركها بما هي عناوين عامة -أسماء- كالظلم أو العدل، فهلا ذُكِرَ لنا مثالاً من الأفعال العامة؛ كونها هي محل الخلاف.  ومع التغاضي عن ذلك فهذا الوجه هو المتعيَّن.

 

      الوجه الثاني: الجزئيات دون الكليات.

      وهذا ليس مقصود الأصوليين؛ لأن الأحكام العقلية هي أحكام عامة كلية، وتعقل العلم التفصيلي بالأشياء عملية متعثرة دائماً لا تتسنى إلا للمعصوم (عليه السلام)، لأن العقل غير قادر على إرجاع الأفعال الى عناوينها الأصلية، بعبارة أوضح: ان العقل ليس له قدرة الحكم على كل فعل وكل حركة بأنها حسنة أو قبيحة، وذلك لما نراه في الواقع فالفعل الواحد تارة يكون حسناً عند أحد العقلاء وتارة يكون قبيحاً عند آخر ثم يكون حكم الشارع فيه مختلف تماماً مع أحدهما أو كليهما، كقتل الخضر (عليه السلام) لذلك الغلام.  

      وفي حاجة الأصوليين الى مباحث غير المستقلات العقلية، دليل على أن مختارهم هو عدم قدرة العقل على إدراك الجزئيات.

      وهذا هو مذهب مشهور علمائنا ذكر منهم السيد محمد سعيد الحكيم (دام ظله) حيث قال في المحكم في معرض نفيه الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع: (ومن الظاهر أن الملازمة المذكورة لا تنفع في استنباط الأحكام الشرعية، لعدم إحاطة العقل بالملزوم بجميع خصوصياته، ليتسنى تشخيص موارده، بل هو مما ينفرد به الشارع الأقدس، وان أمكن أن يعلم ببعض ذلك من قبله. ولعله عليه يحمل ما تضمن أن دين الله لا يصاب بالعقول)[10].

      الوجه الثالث: كلاهما.

      وهذا الوجه غير متصور في المقام خصوصاً مع ما ورد في الوجه الثاني. مضافاً الى أنه مع الإلتزام بهذا الوجه فلا تبقى حاجة لحكم الشارع أصلاً وهو باطل بالضرورة.

 

      حَكمَ: فعل ثلاثي متعد بحرف, وحُكُم جمعه أحكام، وله معاني عديدة بحسب اللغة منها العلم والفصل والقضاء.

      وأما الحكم عند الأصوليين فالظاهر أنه ليس ذا حدٍّ خاص أو أنه يختلف عندهم بحسب الأضافات فالحكم الشرعي عندهم بمعنى الخطاب، والحكم العقلي تارة يأتي بمعنى الدليل وأخرى الإدراك الى غير ذلك مما سيتضح قريباً.

      ولمعرفة ذلك لابد من الإجابة على سؤال: ما هو الفرق بين الدليل والحكم؛ مع عدم الإغفال عن تعاريف الأصوليين؛ وهل هما شئ واحد؟

      وفي معرض الجواب نقول:

      الدليل: له معان عدّة منها الأصل حيث قالوا: (الأصل ما يبتنى عليه الشيء وهو عند الأصوليين يستعمل في معانٍ عدة منها: الراجح، والدليل، والقاعدة، وما يثبت وظيفة عملية عند الجهل بالحكم))

ويظهر من كلام بعضهم أنهم قد فصلوا بين الدليل والحكم.

      ولكن صاحب مفتاح الوصول قال: (وهي سواء ... فإن أبيت إلا بالقول بتعددها فالأنسب لعلم الاصول هو القاعدة)[11].

      ولعله إستند في ذلك الى تعريف الخطاب عن اللغويين بأنه: الرسالة والكلام؛ ومعنى فصل الخطاب هو:(الحكم بالبينة)[12].

      أما الحكم: له عدة حدود ولكنها ليست مختصة بنفس هذ اللفظ وانما تتأتى بحسب ما يضاف اليه لفظ الحكم ولنذكر بعض الأمثلة:

      لقد عرَّف مشهور الأصوليين الحكم الشرعي بأنه: (خطاب الشارع المتعلق بأفعال المكلفين بالإقتضاء أو التخيير أو الوضع)[13].

      وبما ذكرنا يظهر حال التهافت في كلماتهم وعدم ذكر القول الفصل.

      ولعل السيد الشهيد كان ملتفتاً الى ذلك فعرَّفه في دروسه بأنه: (التشريع الموجه من الله تعالى لتنظيم حياة الأنسان).

      ويظهر من تعريفه أنه قد التفت الى مسألة اخرى وهي أن قولهم: (المتعلق بأفعال المكلفين) يُشعر أن خطاب الشارع على قسمين:

      منها ما هو متعلق بأفعال المكلفين، ومنها غير متعلق بأفعالهم فلو صح ذلك للزم أن تكون بعض خطابات الشارع لا معنى لها وحاجتها منتفية لعدم ترتب شيء من الأفعال عليه، وهو ممتنع؛ ضرورة أن معنى الخطاب على خلافه، قال تعالى: (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ)[14]. فالآية المباركة أدخلت الإعتقادات من جملة الحلال والحرام فهي من الافعال والتعريف قد أخرجها.

      ومن هنا استبدل السيد الشهيد تعريف المشهور بآخر.

      نعم، دعوى أن السيد الشهيد أدخل الإعتقادات في التعريف لا قائل بها.

      وبالجملة، فما ذُكر لا يصلح فارقاً بين الحكم والدليل.

      هذا بالنسبة لإضافة لفظ حكم الى الشرع، أما إضافته الى العقل، أي: حكم العقل، فالأمر مختلفٌ تماماً.

      فقالوا أن معنى حكم العقل هو: (إدراك العقل).

      وهذا ما ذهب اليه الشيخ المظفر (قدس): (ومعنى حكم العقل -على هذا- ليس إلا إدراك أن الشئ مما ينبغي أن يفعل أو يترك. وليس للعقل إنشاء بعث وزجر ولا أمر ونهي إلا بمعنى أن هذا الإدراك يدعو العقل إلى العمل، أي يكون سببا لحدوث الإرادة في نفسه للعمل وفعل ما ينبغي. إذاً، المراد من الأحكام العقلية هي مدركات العقل العملي وآراؤه)[15].

      (وإدراك: مصدر أدرك بمعنى قوة مدركة أو فهم، والمــُدرِكات: الحواس الخمسة، مدركات الأنسان: حواسه الخمس، يقال على قدرِ مَدارِكِهِ العقلية: ملكاته، قواه، قدراته الحسية)[16].

 

      ويرد في المقام سؤالان:

      السؤال الأول: هل المـــُدرِك هو العقل أم الحواس؟

      بالرجوع الى رواية هشام بن الحكم المشهورة مع أحد المخالفين وكلامه مع الإمام الصادق (عليه السلام) يتضح جلياً أن الحواس وظيفتها آلية لنقل المعلومات الى العقل أما نفس الإدراك فهو من وظيفة العقل بعد تنظيم هذه المعلومات وتركيبها وتحليلها ثم يصدر الحكم.

      نعم، اطلاق نفس الفعل (الادراك) على الذات والواسطة معاً وارد في كلام العرب، كقوله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)[17]. والمنزِل الحقيقي هو المولى (عز وجل) أما الواسطة فهو المـــَلَك.

      كما أن إطلاق الفعل على الذات فقط وارد أيضاً كقوله تعالى: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا)[18].    

      ومثله إطلاق الفعل على الواسطة فقط كقوله تعالى: (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ)[19].  

      وينبغي لنا على وفق ما تقدم من تصحيح كلمة (حكم) واستبدالها بكلمة (يحكم) لكي تنبئ على الإستمرار وبيان أن القاعدة غير مختصة بزمان دون آخر.

      نعم، بعد الإقرار بأن صيغة الماضي دالة على الزمان الماضي فلا تكون هذه القاعدة على نحو القضية الخارجية، بل هي قضية صادقة بالنسبة الى التلبسات في الزمان الآتي بعد التلبس.

      وأما إنْ قلنا بأن صيغة الماضي غير مقرونة بالدلالة على الزمان الماضي فتكون قضية خارجية، أي: يكون وجود موضوعها في الخارج على وجه يلاحظ في القضية خصوص الأفراد الموجودة المحققة منه في أحد الأزمنة الثلاثة.  

      وإن كان هذا مختص بمسألة شمولية القاعدة للأفراد وعدمه لا على استمراريتها.

      السؤال الثاني: هل أن الإدراك من ذات العقل وذاتياته أو لا؟

      نعم، هي سمة ذاتية لكل العقول، لكنها مقيَّدة بالدراسة والدربة، ولولاها لأدرك الجاهل خطر الكهرباء.

 

      بــه: والكلام عنه من وجهين:

      الوجه الأول: الباء: آلة وطريق فقولنا: (حكم به العقل) تكون طريقاً لحكم الشرع، ويكون حكم العقل سابقاً على الشرعي رتبة، فيكون حكم العقل تأسيسي، وهل العقل يؤسس الحكم أم يكشف عن الحكم؟ أو أنها تفيد العلة فيكون حكم العقل علة لحكم الشارع؟

      وللجواب على ذلك نقول:

      إن في هذا الكلام مغالطة، نعم، الباء آلة وطريق لكنها ليست طريقاً للحكم الشرعي بل هي طريقٌ بين حكم العقل ونفس الفعل، إذ الضمير (الهاء) عائد على الفعل، ولا مانع من يكون حكمه تأسيسياً، بمعنى أنه يُدرك أولاً الفعل، والمانع هو أن يؤسس الحكم الشرعي.

      وحيث أن موضوع الحكم الشرعي هو الفعل -فعل المكلف- فلا مانع حينئذٍ أن يكون إدراكه متقدم رتبة على كشفه للحكم الشرعي، بل هو المتعين.

      وهذا ما أكده الشيخ المظفر (قدس): (وإنما كل ما للعقل العملي من وظيفة هو أن يستقل بإدراك أن هذا الفعل في نفسه مما ينبغي فعله أو لا ينبغي مع قطع النظر عن نسبته إلى الشارع المقدس أو إلى أي حاكم آخر، يعني أن العقل العملي يكون هو الحاكم في الفعل لا حاكيا عن حاكم آخر)[20].

      وقد ذهب اليه من قبلُ السيد الشهيد (قدس) بقوله: (ودور العقل بالنسبة إليه دور المدرك لا دور المنشئ والحاكم)[21].

      الوجه الثاني: الضمير عائد على مدخول (كل) لا عليها، وقد تقدم إيضاحه ضمناً في كلام السيد الخوئي (قدس): (ان لفظ كل وإن كان لا يصدق بمفهومه على كل واحد واحد من افراد مدخوله الا انه انما يؤخذ في الموضوع مرآة ليثبت الحكم لكل فرد بخصوصه)[22].

      وعليه فالعموم إستغراقي، بمعنى أن كل حكم على حدة مع قطع النظر عن باقي الأحكام، كما هو المختار في المسألة.

 

      العقل: لقد أختلف العلماء رضوان الله تعالى عليهم في المراد من العقل ولعل العبارة الواضحة على الرغم من إختصارها هي:

      (تارة يطلق ويراد به الأداة التي تفهم ونستنبط منها الأحكام الدينية من المنابع الشرعية القرآن والسنة. وتارة يطلق ويراد به المنبع الذي يولد المعارف الدينية، لا أنه أداة لفهم المعرفة، مثلاً عندما يؤسس قاعدة فلسفية مفادها بسيط الحقيقة كل الأشياء.

      والثانية هي منشأ الخلاف بين الإخباريين والأصوليين، أما المعنى الأول فليس فيه خلاف بل الجميع متفقون عليه وهل يُفهَم الدين إلا من خلال العقل.

      جاء في شرح أصول الكافي: العقل قوة بها تميَّز الإنسان عن باقي العجماوات، أي بها يميِّز الحسن من القبيح، ويستعد لقبول العلوم النظرية وتدبير الصناعات الفكرية، ويستوي بها الأحمق والذكي، والعقل بهذا المعنى يستعمله المناطقة في البرهان.

      وجاء في الميزان ج1ص48: ومرادنا بالعقل هو المبدأ -القوة- للتصديقات الكلية، النقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان، في أي زمان ومكان، هذه التي يعبر عنها الأحكام الكلية الضرورية الدائمية التي لا يحدها زمان ولا مكان)[23].

      ولذا جاء في وسيلة الوصول: (فالبحث عن الأحكام العقلية المستقلة كمسألة التحسين والتقبيح العقليين وكذا باب الاستلزامات كاستلزام الأمر بالشيء لوجوب مقدمته أو لحرمة ضده خارج عن المسائل، لأن البحث فيها عن وجود الموضوع وهو حكم العقل، إذ ذات العقل ليس أحد الأدلة الأربعة، وإنما الدليل هو حكمه)[24].

      ثم قسَّم الأصوليون العقل الى نظري وعملي، وهذا التقسيم مأخوذ من الفلاسفة، وأول من أخذ به الفارابي وأطلق عليهما أسم العقل المستفيد والمستفاد، إذ أن أول من أسسه هو إفلاطون، وذلك لأجل فائدة فلسفية وهي إشراك الحكم العقلي مع الحكم الإلهي حسب نظريتهم في المعرفة لأنهم قالوا: (إن أشبه الخلق بالآلهة هم الفلاسفة)[25].

      أما المقسم له فهو المــُدرَكات كما قال الشيخ المظفر (قدس): (وليس الاختلاف بين العقلين إلا بالاختلاف بين المدركات، فإن كان المدرك -بالفتح- مما ينبغي أن يفعل أو لا يفعل -مثل حسن العدل وقبح الظلم- فيسمى إدراكه "عقلا عمليا". وإن كان المدرك مما ينبغي أن يعلم -مثل قولهم: "الكل أعظم من الجزء" الذي لا علاقة له بالعمل- فيسمى إدراكه "عقلا نظريا")[26].

      ولعله يرد في الذهن: أنهما عقلان في الحقيقة أم عقلٌ واحد؟

      وقد أجاب الشيخ المظفر (قدس) عن هذه الشبهة بوضوح: (وليس هناك عقلان في الحقيقة بل هو عقل واحد ولكن للتمييز بين مدركاته ومتعلقاته يسمى تارة عملياً وأخرى نظرياً)[27].

      ومن هنا يُعلم أن المـــُقَسِم لهذا التقسيم هو العقل نفسه بمعنى أنه قَسَمَ نفسه بنفسه، بل هو الدال والدليل في آن واحد!!!

      وبما أن قسم من هذا التقسيم مرتبط بالأفعال -أفعال المكلف- فقد أخذ به الفقهاء.

      وكما هو معلوم أن ما تقدم غير ملتفت فيه للشارع فأنه جاء على خلافه وإن كنت على يقين أن النصوص دائماً تؤول , فقد ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (العقل عقلان عقل الطبع وعقل التجربة وكلاهما يؤدي إلى المنفعة)[28].

      وقوله (عليه السلام): (رأيت العقل عقلين , فمطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذا لم يك مطبوع كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع)[29].

 

      ولنا أن نسأل في المقام: هل أن الحاكم هو نفس العقل أم العقلاء؟

      الظاهر من كلمات القوم أن الحاكم هو نفس العقل.

      وفيه: أن العقل كثيراً ما يُخطيء لأن حكمه مستنداً الى الأوليات المركوزة فيه وهذه الأوليات يحتمل أنها نُقلت اليه خطأ وعند ذلك يحصل الخطأ في إدراكه للمنقول، كما يحتمل الخطأ في نفس المــُدرِكات وهي الحواس، ويحتمل أن يخطأ العقل في عملية التركيب للمعلومات قبل إصداره الحكم؛ وبعبارة أوضح: إن العقل يتأثر بالعوامل الخارجية، وهذا التأثير ينعكس على حكمه كيفما كان، وكل هذه الإحتمالات واردة بل مانعة من استقلال العقل بالحكم وإن كان كلياً.

 

      ومن هنا يرد سؤال على الذهن، هل الحسن والقبح ذاتي بالنسبة للأفعال أو لا؟

      وللإجابة على ذلك نذكر ما جاء في تحريرات الأصول ولعل فيه الكفاية: (هل قبح الظلم من الفطريات والأحكام العقلية، ومما يناله العقل الفطري العام الفارغ من كل غش، ومن كل ظلمة، وأنه من المدركات العقلية عند كل ذي عقل؟ أو هو من الأمور الحاصلة في المحيطات الخاصة، وفي الآفاق المعينة، ولأجل الإلقاءات والبناءات والتعاليم والأقاويل؟ مثلا: التجاوز على الفرد لبقاء النوع، والتعدي على الأفراد حفاظا على النظام النوعي، ليس من الظلم على الفرد وجدانا، أم هو ظلم وتعد بالقياس إلى الفرد، ولكنه مما يدرك العقل حسنه بالقياس إلى النوع والأمر الأهم. وإن شئت قلت: ربما يكون الفعل ظلما من دون أن يكون الفاعل مقبحا، لما أنه ناظر إلى الخير الأكثر، وأما بالقياس إلى حال زيد بن عمرو الشخصي، فإنه مظلوم، وفداء للأكثر، وتفاد للمجتمع، فلا يوصف الظلم في كل حال بالقبح، وهكذا ربما لا يكون تجاوز الناس قبيحا، لما أن العادة والمسجل على ذلك، فلا يدركون القبح من التجاوز. ولولا المخافة من بعض الأمور الخارجة عن حد القارئين، لأشرت إلى ما هو الواقع في الكون، مع ما هو جوابه المتين، وكفاك هذا رمزا. تنبيه: في أن قبح الظلم ليس ذاتيا لا شبهة في أن القبح، ليس ذاتيا للظلم حسب مصطلح باب الإيساغوجي، والكليات الخمس، فيكون جزء ذاته أو تمامها. وأما أنه ذاتي باب البرهان، فيكون من خارج المحمول، فهو أيضا مندفع بما أشير إليه آنفا. وعلى هذا تنهدم كبرى القياس المتشكل آنفا "وهو أن التجري ظلم، وكل ظلم قبيح". فما في كتب الأصوليين والمتكلمين، بل وأحيانا في بعض أساطير أهل العلم: "من أن القبح ذاتي الظلم" في غير محله، فضلا عن أن يكون ذاتي التجري والعصيان)[30].

       بعد أن تكلمنا عن بيان مفردات القاعدة بقي في المقام شئ لابد منه وهو ذكر الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع.

 

      الملازمة: وهي كما قال الشيخ المظفر (قدس): (ثبوت الملازمة العقلية بين حكم العقل وحكم الشرع ومعنى الملازمة العقلية هنا أنه إذا حكم العقل بحسن شئ أو قبحه هل يلزم عقلا أن يحكم الشرع على طبقه)[31].

      نعم، لكن كلمات الأصوليين لم تبيّن أن اللزوم بين حكم العقل وحكم الشرع هل هو تلازم بينهما معاً أو أنه تلازم من أحدهما للآخر.

 

المبحث الثاني

أسئلة في مدار البحث

      إن أيَّ مسألةٍ تكثرُ حولها الأسئلة ويختلف فيها العلماء على مرِّ التاريخ بين النقض والإبرام، فهو دليل على قوة ومتانة أركان تلك المسألة، وهذه الطريقة هي الضمان الوحيد لديمومتها في حدود الإثباتات والأدلة المتعلقة بها.

      وقد وجدنا أثناء البحث حول تمامية هذه القاعدة أو عدمه أن هناك أسئلة مستقيمة، وفي بعض الأحيان تحصل منعطفاتٍ في بعضها، ونحن ذاكرون ما يخطر في أذهاننا، سؤال باحث لا متعصب، رغم أن نتيجة بعضها يمسّنا؛ كون غايتنا هو إضمحلال أو إزالة ثغرات حول هذه القاعدة، ولعل بعضها يكون سخيفاً بدواً، أو أن جوابه من البديهيات، لكنه شأن قليل الزاد دائماً.

      وكيفما كان فإن هذا الأسلوب وهو طرح  الأسئلة لا يخلوا من فائدة يتبين من خلالها دليل القاعدة وحدودها وعلاقتها بمسألة الحسن والقبح، ولعله يريح النفس ولو قليلاً مما عهدته الكتب الأصولية من أساليب معقدة، تبعث على الضجر والسآمة، وإن كان العامل الأساسي في ذلك هو طبيعة البحث في علم الأصول، لأسباب تستدعي ذلك.

      ومن هنا ينبغي لنا الشروع بذكر عدد من الأسئلة المختلفة من حيث إختصاصها تارة بالملازمة أو مفردة من مفردات القاعدة، وأخرى بنفس القاعدة ككل، ربما كان في طليعتها ما يلي:

      السؤال الأول: وهو يخص الملازمة فنقول: ما هو الدليل الدال على تلك الملازمة وما معناها؟

      لقد ذكر الأصوليون أدلة على ثبوتها ولكن المتتبع للأدلة يرى بوضوح أن مآلها يرجع الى العقل بمعنى أن دليلها العقل، ولكن مراعاةً للإختصار نذكر دليل الشيخ المظفر (قدس) في أصوله حيث قال: (والحق أن الملازمة ثابتة عقلاً، فإن العقل إذا حكم بحسن شئ أو قبحه -أي أنه إذا تطابقت آراء العقلاء جميعاً بما هم عقلاء على حسن شئ لما فيه من حفظ النظام وبقاء النوع، أو على قبحه لما فيه من الإخلال بذلك- فإن الحكم هذا يكون بادي رأي الجميع، فلابد أن يحكم الشارع بحكمهم، لأنه منهم بل رئيسهم فهو بما هو عاقل -بل خالق العقل- كسائر العقلاء لابد أن يحكم بما يحكمون، ولو فرضنا أنه لم يشاركهم في حكمهم لما كان ذلك الحكم بادي رأي الجميع . وهذا خلاف الفرض)[32].

 

      إذن: دليله مركب من شقين:

      الشق الأول: أنها ثابتة عقلاً.

      الشق الثاني:تطابق آراء العقلاء.

      ومعنى ذلك :

      أولاً: أن ثبوت حكم العقل بثبوت الملازمة مترتب على حكم العقل بحسن شيء أو قبحه.

      ثانياً: معنى حكم العقل بالحسن والقبح هو نفسه تطابق العقلاء.

      ثالثاً: سبب التطابق هو حفظ النظام وبقاء النوع.

      رابعاً: حينئذٍ يحكم العقل على نحو اللزوم بأن الشارع لابد أن يحكم بحكمهم.

      وقد ذكر الشيخ الضابطة لحكم العقلاء بقوله : (إن تطابق آراء العقلاء بما هم عقلاء في القضايا المشهورة العملية التي نسميها "الآراء المحمودة" والتي تتعلق بحفظ النظام والنوع يستكشف به الحكم الشرعي، لأن الشارع من العقلاء -بل رئيسهم وهو خالق العقل- فلابد أن يحكم بحكمهم. ولكن هذا التطابق ليس من نوع الإجماع المقصود، بل هو نفس الدليل العقلي الذي نقول بحجيته في مقابل الكتاب والسنة والإجماع. وهو من باب التحسين والتقبيح العقليين الذي ينكره هؤلاء الذاهبون إلى حجية الإجماع. أما إجماع الناس -الذي لا يدخل في تطابق آراء العقلاء بما هم عقلاء- فلا سبيل إلى اتخاذه دليلا على الحكم الشرعي، لأن اتفاقهم قد يكون بدافع العادة أو العقيدة أو الانفعال النفسي أو الشبهة أو نحو ذلك. وكل هذه الدوافع من خصائص البشر لا يشاركهم الشارع فيها لتنزهه عنها، فإذا حكموا بشئ بأحد هذه الدوافع لا يجب أن يحكم الشارع بحكمهم، فلا يستكشف من اتفاقهم على حكم بما هو اتفاق أن هذا الحكم واقعا هو حكم الشارع )[33].

      وفيه ما ذكره الشيخ الفياض (دام ظله) في تقريره: (ما اختاره جماعة من الأصوليين منهم المحقق الأصفهاني (قدس سره) من أن قضية الحسن والقبح قضية مجعولة من قبل العقلاء كسائر مجعولاتهم العقلائية في أمور معادهم ومعاشهم على أساس ما يدركونه من المصالح والمفاسد العامة حفاظا على بقاء نوعهم، ولكن هذا التفسير خاطئ وجدانا وبرهانا)[34].

      وقد ذكر أدلة على قوله أعرضنا عنها إختصاراً.

      وقد ذكروا من الأدلة الدالة على إعتبار هذه القاعدة هو:  (التسالم: قد تحقق التسالم بين الأصوليين على مدلول القاعدة (كلما حكم به العقل حكم به الشرع) ولا خلاف في المسألة إلا عن صاحب الفصول رحمه الله رحمه الله ويمكن أن يكون محل نظره خصوص الأحكام العقلية الظنية)[35].

      وهل التسالم يفيد القطع أو لا، فهذا بحث له محل آخر.

      و ينبغي لنا تقديم مقدمة توضيحية تعتبر خلاصة لما تقدم، فنقول:

      بما أن العقل يدرك الكليات، فمعناه أنه يدرك أحكاماً كلية تنطبق على مصاديق متعددة، نعم إذا توجه العقل لمصداق منها على نحو الخصوص فإنه يدركه ويمكن ان يطبق تلك القاعدة عليه، والكليات التي يدركها العقل تكاد تكون منحصرة بعدد الأصابع، وهذا ما يسبب إنحصار الثمرات المترتبة عليها، فمن الكليات التي يدركها العقل النظري، وإن كانت خارجة عن مدار البحث، وقد جاء الشرع على خلافها قطعاً.

      أولاً: النقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان.

      وخلافها في الشرع متمثل بقوله تعالى: (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ)[36].

      ثانياً: عدم الوجدان لا يستلزم عدم الوجود.

      وخلافها في الشرع قوله تعالى: (قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً)[37].

      فعدم وجدان النبي (صلى الله عليه وآله) للحرمة ملازماً لعدم الوجود.

      ثالثاً: اللزوم بين شيئين قد يكون من أحدهما للآخر دون العكس، وقد يكون تلازما بينهما معاً.

      رابعاً: العلم يتبع المعلوم، وليس العكس.

      خامساً: ما هو ذاتي في الأعم هو ذاتي في الأخص، وليس العكس.

      أما ما يدركه العقل العملي في خصوص القاعدة موضوع البحث فهو منحصر بمسألة واحدة وهي مسألة الحسن والقبح فقط.

      كما استظهرة الشيخ المظفر (قدس) في أصوله: (الظاهر انحصار المستقلات العقلية التي يستكشف منها الحكم الشرعي في مسألة واحدة، وهي: مسألة التحسين والتقبيح العقليين)[38].

      والعمل بهذه القاعدة محل نظر؛ كونها تواجه مشكلة رئيسية وهي عدم قدرة العقل على إرجاع الأفعال الى أصلها؛ بعبارة أخرى: العقل لا يقدر على إدراك أن هذا الفعل بالخصوص هل هو مصداق لتلك القاعدة أو لا؟

      ومن هنا فلا يتحصل لدينا قضية يقينية تفيد القطع، لفقدان ركنيها وهما التصديق بالنسبة القائمة بين محمول القضية وموضوعها، والتصديق بأنها -القضية التي تفيد اليقين- لا يمكن أن تكون غير ذلك، وهذا هو أحد الأسس والقواعد في المنطق فقد جاء فيـــــه: (فإذن ما لنا العلم به (وجوداً) لايمكن (أن يكون) على جهة أخرى)[39].

      ثم أنه من الواضح أن العلوم الإسلامية كالفقه وأصوله لايمكن إخضاعها للقياسات العقلية المنطقية، لوجود إختلاف بين ميداني بحثهما ولعل هذا ما أدركة السيد الخوئي (قدس)، وللأسف لم يحظ هذا الإدراك -الذي يمكن أن يكون منطلقاً لعصر جديد في علم الأصول- بإهتمامٍ من طلبته حيث طغى عليهم الطابع العقلي الذي تسير عليه الأبحاث الأصولية فقد ذكر (قدس): (إن المحمولات التي تترتب على مسائل علم الفقه بأجمعها وعدّة من محمولات مسائل علم الأصول من الأمور الإعتبارية التي لا واقع لها عدا إعتبار من بيده الإعتبار)[40].

      ولتوضيح الأمر الإعتباري ننقل ما جاء عن السيد السستاني (دام ظله) في الرافد: (إن الفارق بين الامر الاعتباري والتكويني يتلخص في كون التكويني حقيقة واقعية لا تختلف باختلاف الأنظار والتوجهات وتكون نسبة الذهن البشري لها نسبة العلم الانفعالي لمعلومه، بينما الامر الاعتباري عمل ذهني إبداعي يقوم به الفرد أو المجتمع وتكون نسبة العقل البشري له نسبة العلم الفعلي لمعلومه، فلذلك يختلف باختلاف النظرات والتوجهات والمجتمعات)[41].

      وكيفما كان فإن الثمرة المترتبة على تلك القاعدة -مع التسليم بتماميتها- منحصرة أيضاً.

 

      السؤال الثاني: ما هي نقطة الخلاف بين الاصوليين والأخباريين فيما يخص هذه القاعدة؟

      لقد ذكر السيد علي الطبطبائي أن الخلاف بينهم نقطة واحدة ثم توسعت رقعة الخلاف حتى أمكن إحصاء عشر مسائل تعتبر من المسائل الخلافية بينهما ومنها: (نفي حجية حكم العقل ونفي الملازمة بين الحكم العقلي والحكم الشرعي، وتضطرب كلمات الأخباريين بشكل يصعب على الباحث أن يستخرج من كلماتهم شيئا محدد المعالم لينسبه إليهم، فمن منكر للملازمة بين الحكم العقلي والشرعي، وآخر منكر للحكم العقلي الظني. وقد أنكر المحقق الخراساني أن يكون مقصود الأخباريين إنكار حجية القطع فيما إذا كان بمقدمات عقلية. وإنما تتجه كلماتهم إلى منع الملازمة بين حكم العقل بوجوب شئ وحكم الشرع بوجوبه. كما ينادي بأعلى صوته ما حكي عن السيد الصدر في باب الملازمة وأما في مقام عدم جواز الاعتماد على المقدمات العقلية لأنها لا تفيد إلا الظن، كما هو صريح الشيخ المحدث الاسترآبادي رحمه الله)[42].

 

      السؤال الثالث: ماهو المدى التطبيقي لهذه القاعدة؟

      إن العمل بحكم العقل على وفق هذه القاعدة لايمكن الإلتزام به إلا إذا تحقق المناط في الفعل كالمفسدة أو المصلحة كي يمكن للعقل أن يدرك ما فيه من حسن وقبح ذاتي.

      نعم، لكنه في غاية الضعف؛ كون حكم الشارع بالوجوب والحرمة على شيء، ليس لمجرد تحقق المناط في ذلك الشئ، وكونه علة تامة للتكليف به شرعا، وذلك لاحتياجه إلى أمور أخرى من فقد الموانع والمزاحمات الواقعية التي لا سبيل للعقل إلى إدراكها، كما أنه لا حكم للعقل في مطلق الضرر والمفسدة.

 

      وقد نقل المشكيني آراء بعض العلماء في هذا المذهب: (لأن وجود الحسن والقبح في الفعل لا يستلزم جعل الحكم من الشرع، إذا الملاكات من قبيل المقتضيات للاحكام غالبا لا العلل التامة، فربما يكون وجود الملاك مقارنا لفقد شرط من شرائط جعل التكليف أو وجود مانع من موانعه فيدرك العقل حسنه وقبحه لادراكه الملاك ولا يحكم الشارع بوجوبه وحرمته لاجل الموانع ولهذه الدعوى شواهد في موارد: منها: أفعال الصبى المقارن للبلوغ، فإنه لا اشكال في أن صدقه في الكلام ووفائه بالعهد وانقاذه الغريق وانجائه الحريق مشتملة على مصالح تلك الأفعال الثابتة في حق البالغين الكاملين؛ وان كذبه وخيانته وقتله النفوس وإغارته على الأموال مشتملة على المفاسد كذلك . فيدرك العقل في هذه الموارد حسنها وقبحها مع أن الشارع لم يلزمه ايجابا وتحريما، بل الواجبات في حقه مستحبات والمحرمات في حقه مكروهات فأين قولهم كلما حكم العقل بحسنه حكم الشرع بوجوبه فظهر الانفكاك بين الحكمين)[43].

 

      ثم أن العقل لا يدرك بعض المصالح أو المفاسد وهذا ما جاء في مصباح الأصول: (ان يدرك العقل وجود المصلحة أو المفسدة في فعل من الافعال، فيحكم بالوجوب أو الحرمة، لتبعية الأحكام الشرعية للمصالح والمفاسد عند أكثر الامامية والمعتزلة ... فالصحيح أنه غير مستلزم لثبوت الحكم الشرعي إذ قد تكون المصلحة المدركة بالعقل مزاحمة بالمفسدة، وبالعكس. والعقل لا يمكنه الإحاطة بجميع جهات المصالح والمفاسد والمزاحمات والموانع، فبمجرد ادراك مصلحة أو مفسدة لا يمكن الحكم بثبوت الحكم الشرعي على طبقهما، وهذا القسم هو القدر المتيقن من قوله (عليه السلام): (ان دين الله لا يصاب بالعقول) وقوله (عليه السلام): (ليس شئ أبعد من دين الله عن عقول الرجال) ....)[44].

 

      ومما تقدم يظهر فساد ما أشتهر بين الطلبة أن الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد، لأنه لا يعلمها إلا الله تعالى، وهي وحدها غير كافية للتكليف. نعم، إن كان مقصودهم تبعية للمصالح والمفاسد مع توفر بقية الشروط فيصح، لكنه عند البلغاء بعيد جداً.

      مضافاً الى أنه لا توجد ملازمة بين قبح شئ عقلاً وحرمته شرعاً.

      السؤال الرابع: ما هي حدود تلك القاعدة؟

      إن هذه القاعدة تكاد تجري ضمن دائرة مورد الجهل بالتكليف الشرعي وعدم بيانه -كموارد الإجمال- أو وصوله.

      نعم، إلا أن هذا صريحٌ في مخالفة الشارع لا سيما قوله تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ)[45].

      ولعل هذا من أدلة مانعي هذه القاعدة كما جاء في منتهى الأصول: (وتقريب الاستدلال بها ظهر من الآية السابقة وإن مفادها أن الله تعالى لا يخذل العباد إلا بعد بيان ما يجب أن يجتنبوا عنه وبعد إتمام الحجة عليهم بإيصال التكاليف إليهم ففي مورد الجهل بالتكليف وعدم البيان والايصال إليهم لا خذلان ولا إضلال ولا مؤاخذة ولا عقاب في البين، فتدل الآية على البراءة)[46].

      ثم إن الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع لا تكون الا في مورد قابل للحكم الشرعي المولوي.

      هذا، ولكنّا نجد القائلين بها عمدوا الى تأويل المنقول من الأدلة الشرعية وحملوا كل أمر مولوي في هذا المجال -أي بما يصتدم بالقاعدة- على أنه إرشادي، دون ذكر الضابطة لإمكان حمل الأمر على المولوية او الإرشاد.

 

      السؤال الخامس: من هم المانعين لهذه القاعدة ككل أو الملازمة بين الحكمين؟

      في الواقع يوجد عدّة من علماءنا الأجلاء لم يلتزموا بالقاعدة ومنهم لم يلتزم بوجود الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع نذكر جملة منهم لا على سبيل الحصر, معرضين عن ذكر ومناقشة أدلتهم:

      أولاً: صاحب الفصول (المتوفى 1261ه‍) وهو غني عن البيان لذكره في الكفاية.

      ثانياً: الشيخ محمد اسحاق الفياض (دام ظله) حيث قال: (فالنتيجة أنه لا ملازمة بين حكم العقل العملي وحكم الشرع)[47].

      ثالثاً: السيد محمد سعيد الحكيم (دام ظله) حيث ورد في محكمه: (وأما الحكم العقلي الذي يستتبع الحكم الشرعي بناء على تمامية قاعدة الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع ، وان سبق منا المنع منها في الفصل الأول من مبحث الملازمات العقلية...)[48].

      رابعاً: السيد صدر الدين محمد باقر الرضوي القمي (المتوفى 1160 ه‍) والمحدث الاسترآبادي كما جاء في زبدة الأصول: (فان بعضهم كالسيد الصدر، في مقام منع الملازمة بين حكم العقل والشرع، وبعضهم كالمحدث الاسترآبادي في مقام بيان ان المقدمات العقلية لا تفيد الا الظن، فلا يجوز الاعتماد عليها)[49].

      خامساً: بدر الدين الزركشي كما نقل ذلك الشيخ السبحاني (دام ظله): (إن بدر الدين الزركشي (745 - 794هـ) الذي هو من المتحمسين لنفي الملازمة)[50].

      سادساً: الفاضل التوني كما نقله السبحاني (دام ظله): (إن الفاضل التوني (المتوفى 1070ه‍) صاحب الوافية ممن قال بالتحسين والتقبيح العقليين، ولكنه لم يلتزم بالملازمة، وقال: والحق ثبوت الحسن والقبح العقليين، ولكن في إثبات الحكم الشرعي -كالوجوب والحرمة- بهما نظر وتأمل)[51].

 

      الخلاصة:

      إن هذه الملازمة يمكن الأخذ بها وتطبيها عملياً في موارد الفقه على نحو الموجبة الجزئية، ولكنه يحتاج الى درجة أعلى من التحفظ الشديد في القبول، والإنسجام التام مع المنهج العام لفقهائنا، في حين أننا نجد فقهائنا لم يعوِّلوا الإعتماد علىيها بالرغم من تمسكهم الشديد بها، ومحاولاتهم في إثباتها ولو على نحو الرمزية، أو دفع ما يرد عليها، فأولوها حظها من البحث والتحقيق وضبط أركانها، ومحاولاتهم إعطاء حلول لجميع المشاكل التي يمكن أن ترد عليها، وإن كان بعضهم لم يرتضيها من رأس كما أسلفنا. 

      ومع قلَّة الزاد وتجنب تكرار ما في تاريخ إثبات هذه الملازمة من مشاكل والاستغناء بالحلول المطروحة لحلها، تبقى مسرحاً لأن تثار ضدها مشاكل لا تطاق.

 

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين

 


[1]- الشيخ أحمد صالح الأسدي: درس كفاية الأصول: مقر مدرسة دار الحكمة.

[2]- جاء في الذريعة لأقا بزركـَ الطهراني: 7/ 17: (البحث في الحسن والقبح العقليين من مهمات مباحث علم الكلام).

[3]- أصول الفقه: محمد رضا المظفر: 156.

[4]- أصول الفقه: محمد رضا المظفر: 174.

[5]- أجود التقريرات: تقرير بحث النائيني، للسيد الخوئي: 1: 444.

[6]- تفسير القرآن الكريم: السيد مصطفى الخميني: 4: 225.

[7]- سورة مريم: الآية49.

[8]- قطر الندى وبل الصدى: ابن هشام الأنصاري: ص108 صلة الموصول جملة اسمية وفعلية وشبه جملة.

[9]- المستصفى: الغزالي: 280.

[10]- المحكم في أصول الفقه: السيد محمد سعيد الحكيم: 2: 180.

[11]- مفتاح الوصول الى علم الأصول: 1: 22.

[12]- راجع معجم الوسيط.

[13]- مباحث الحكم عند الاصوليين: 1: 55.

[14]- سورة البقرة: الآية 284.

[15]- أصول الفقه: الشيخ محمد رضا المظفر: 2: 278.

[16]- راجع معجم الرائد، ومعجم الغني.

[17]- سورة يوسف: الآية 2.

[18]- سورة الزمر: الآية 42.

[19]- سورة السجدة: الآية 11.

[20]- أصول الفقه: الشيخ محمد رضا المظفر: 3: 136.

[21]- الحلقة الثانية: 302.

[22]- أجود التقريرات: تقرير بحث النائيني، للسيد الخوئي: 1: 444.

[23]- مقتبس من محاضرات السيد كمال الحيدري، بتصرف.

[24]- وسيلة الوصول الى حقائق الأصول: تقرير بحث الأصفهاني للسبزواري: 26.

[25]- قصة الفلسفة لديورانت.

[26]- أصول الفقه: الشيخ محمد رضا المظفر: 2: 278.

[27]- أصول الفقه: الشيخ محمد رضا المظفر: 2: 279.

[28]- بحار الأنوار: العلامة المجلسي: 75: 6.

[29]- اللمعة البيضاء: التبريزي الأنصاري: 384.

[30]- تحريرات الأصول: السيد مصطفى الخميني: 6: 61.

[31]- أصول الفقه: الشيخ محمد رضا المظفر:2: 293.

[32]- أصول الفقه: الشيخ محمد رضا المظفر: 2: 293.

[33]- أصول الفقه: الشيخ محمد رضا المظفر: 3: 104.

[34]-المباحث الأصولية: الشيخ محمد اسحاق الفياض: 4: 159.

[35]- مائة قاعدة فقهية: السيد المصطفوي: 269.

[36]- سورة الأنبياء: الآية 69.

[37]- سورة الانعام: الآية 145.

[38]- أصول الفقه: الشيخ محمد رضا المظفر: 2: 268.

[39]- منطق أرسطو: 2: 322.

[40]- محاضرات في أصول الفقه: 1: 18.

[41]- الرافد في علم الإصول: تقرير بحث السيد السيستاني: منير الخباز: 47.

[42]- رياض المسائل: السيد علي الطبطبائي: 1: 107.

[43]- اصطلاحات الأصول: الشيخ علي المشكيني: 207.

[44]- مصباح الأصول: تقرير بحث الخوئي للبهسودي: 2: 55.

[45]-سورة التوبة: الآية 115.

[46]- منتهى الأصول: حسن البنجوردي: 2: 173.

[47]- المباحث الأصولية: الشيخ محمد اسحاق الفياض: 4: 164.

[48]- المحكم في أصول الفقه: السيد محمد سعيد الحكيم: 2: 288.

[49]- زبدة الأصول: السيد محمد صادق الروحاني: 3: 58.

[50]- رسالة في التحسين والتقبيح: الشيخ جعفر السبحاني: 127.

[51]- رسالة في التحسين والتقبيح: الشيخ جعفر السبحاني: 130.

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: طلب العلم فريضة.                                                                                                                                                            الكافي

الفيديو

دور التربويين في تحقيق غاية الدين - شيخ ستار الدلفي
2019 / 03 / 24 4580

دور التربويين في تحقيق غاية الدين - شيخ ستار الدلفي

أخر الأخبار

الصوتيات

2018/3/15

سورة الفرقان

2018/3/15

سورة النور

2018/3/15

سورة المؤمنون

2018/3/15

سورة الحج



الصور