مناسبات الشهر
مناسبات شهر شوال 1 شوال عيد الفطر المبارك. هلاك عمرو بن العاص في مصر سنة (41هـ).   3 شوال معركة الخندق سنة (5هـ) على رواية. هلاك المتوكل العباسي بأمر ابنه المنتصر سنة (247هـ).   4 شوال غزوة حنين سنة (8هـ) على رواية. ضُربت فيه السكة (النقود) باسم الإمام الرضا (ع) سنة (201هـ). وفاة الشيخ حسين الحلي (قد) سنة (1394هـ).   5 شوال خروج أمير المؤمنين (ع) من النُّخيلة متوجهاً إلى صفين لمواجهة معاوية سنة (36هـ). وصول مبعوث الامام الحسين (ع) مسلم بن عقيل الى الكوفة سنة (60هـ).   6 شوال رد الشمس لأمير المؤمنين (ع) ببابل سنة (36هـ) بعد رجوعه من قتال الخوارج. خروج أول توقيع من الإمام المهدي (ع) إلى سفيره ونائبه الثالث الحسين بن روح النوبختي (رض) سنة (305هـ).   8 شوال الهدم الثاني لمراقد البقيع الطاهرة من قبل الوهّابيين سنة (1344هـ/ 1924م).   12 شوال وفاة الشيخ البهائي (قد) سنة (1030هـ).   13 شوال وفاة السيد حسين البروجردي (قد) سنة (1380هـ).   14 شوال هلاك عبد الملك بن مروان بن الحكم بدمشق سنة (86هـ). وفاة السيد عبد العظيم الحسني (رضوان الله عليه) سنة (252هـ). وفاة الشيخ قطب الدين الراوندي (قد) سنة (573هـ).   15 شوال معركة احد وشهادة حمزة سيد الشهداء (ع) سنة (3هـ). رد الشمس للإمام أمير المؤمنين (ع) في المدينة المنورة في مسجد الفضيخ والمعروف بمسجد رد الشمس سنة (3هـ). غزوة بني القنيقاع سنة (2هـ).   16 شوال وفاة الشيخ عبد الله المامقاني (قد) سنة (1351هـ).   17 شوال غزوة بني سليم سنة (2هـ). وفاة أبي الصلت الهروي (رض) بعد خروجه من سجن المأمون سنة (203هـ).   18 شوال وفاة الشيخ محمد بن إدريس بن أحمد الحلي (ره) المعروف بـ(ابن إدريس) سنة (598هـ). 19 شوال   20 شوال القبض على الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع) وترحيله من المدينة إلى العراق قسراً وحبسه بأمر هارون العباسي سنة (179هـ).   23 شوال وفاة السيد نعمة الله الجزائري (قد) سنة (1112هـ).   25 شوال شهادة الامام جعفر بن محمد الصادق (ع) سنة (148هـ).   27 شوال خروج النبي الأكرم (ص) الى الطائف لدعوتهم الى الإسلام.   29 شوال وفاة الشيخ الوحيد البهبهاني (قد) سنة (1205هـ).

الظاهرة اللغوية عند الشيخ الانصاري (المكاسب المحرمة/ج1)

الشيخ مرتضى الساعدي

 

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه تعالى نستعين

      المقدمة

      الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين ابي القاسم محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على اعدائهم اجمعين الى قيام يوم الدين ...وبعد

      قبل الايغال بصلب موضوعنا لابد من بيان مقدمة لها دخل في بيان موضوع بحثنا الا وهي معرفة اراء الاساطين بخصوص حجية قول اللغوي ثم بعد ذلك نعرج على مبنى الشيخ الانصاري (قده) ومن ثم ننطلق بعون الله لتتبع الظاهرة اللغوية عنده ومدى الاعتماد عليها في الاستدلال الفقهي فنقول:

      ذكر صاحب الكفاية (قده) بأنه نسب الى المشهور حجية قول اللغوي وذكر بأن الدليل على ذلك هو اتفاق العلماء بل العقلاء حيث لا يزالون يستشهدون بقوله في مقام الاحتجاج بلا إنكار من أحد، ولو مع المخاصمة واللجاج، وعن السيد المرتضى(قده)دعوى الاجماع على ذلك.[1]

      وقد ذكر السيد الخوئي في المصباح بأن الادلة على اثبات الحجية هي اولا: أن اللغوي من اهل الخبرة في تعيين الاوضاع وظواهر الالفاظ، وقد تحقق البناء من العقلاء على الرجوع الى اهل الخبرة في كل فن، بلا اعتبار التعدد والعدالة، كالرجوع الى المهندس في تقويم الدار مثلا والى الطبيب في تشخيص المرض وعلاجه، ولم يثبت ردع شرعي عن ذلك. واما اعتبار العدالة في الفقيه فإنما هو لدليل خاص.[2]

      وقد رد هذا الوجه بانه الرجوع الى اهل الخبرة انما يكون في الامور الحدسية التي تحتاج الى اعمال النظر وان تعيين معاني الالفاظ التي هي مهمة اللغوي من الامور الحسية التي لا يوجد فيها اعمال نظر ما بل ان مهمة اللغوي هي نقل معاني الالفاظ على حسب ما وجده في المحاورات العربية،[3] ولو تنزلنا بأن اللغوي من اهل الخبرة فهو من اهل الخبرة في مقام الاستعمال وليس هو منها في مقام تعيين ظواهر الا لفاظ وضعا.

      وقد اشكل على هذا الوجه ايضا بأن اغلب الكتب اللغوية التي كتبت في هذا المجال لبيان موارد الاستعمال وليست لبيان حقيقة الوضع.[4]

      ثانيا: دعوى الاجماع على العمل بقول اللغوي، فان العلماء في جميع الاعصار يراجعون كتب اللغة، ويعملون بها في تعيين معاني الالفاظ وقد رد هذا الوجه بأن الاجماع القولي غير متحقق وذكر الوجه في ذلك بأن الكثير من العلماء لم يتعرضوا لهذا المطلب[5] اصلا وكذا الاجماع العملي فأنه لم يتحقق ولعل اتفاقهم عى معنى من المعاني لحصول الاطمئنان لديهم.

      واشكل على هذا الدليل ايضا بأن الاجماع لو سلمنا به فهو ليس بتعبدي اذ لعل اجماعهم على معنى ما لتمسكهم على ان اللغوي مما يرجع اليه لانه من اهل الخبرة او لدليل الانسداد الصغير في باب اللغة ومن اجل ذلك نرجع الى اللغوي في قوله وان افاد ظنا.[6]

ثالثا: ماذكره الشيخ الانصاري(قده)من ان الانسداد الصغير في باب اللغة مما لا يخفى اذ انه مما لا غبار عليه من ان الماء من المفاهيم العرفية التي يعرفها حتى الصبيان الا انهم اعني العلماء يختلفون فيه سعة وضيقا فلا بد من كفاية الظن في الرجوع الى اهل اللغة ويرد على هذا الوجه ايضا من ان الانسداد في باب اللغة لا اثر له بعد انفتاح باب العلم والعلمي في الاحكام[7].

      ثم ان الشيخ النائيني (قده) بعدما تعرض لمسألة امكان ان يكون اللغوي من اهل الخبرة قال: الا ان اللغوي يحتاج الى اعمال النظر والحدس في استخراج المعنى الموضوع له من بين المعاني المستعملة وبهذا الاعتبار يمكن اندراج قول اللغوى في ضابط أهل الخبرة، إلاأن الغالب في اللغة هو بيان موارد الاستعمالات،[8] مع أنه لو فرض أنه عين المعنى الموضوع له ففى حصول الوثوق من قول لغوى واحد محل منع.[9]

فالانصاف: أن كون اللغوى من أهل الخبرة واعتبار قوله لذلك دون إثباته خرط القتاد.[10]

 

      *مبنى الشيخ الانصاري(قده): ذكر الشيخ الاعظم(قده) بعد ان تكلم عن الظن الذي يعمل لتشخيص الظواهركتشخيص أن اللفظ المفرد الفلاني، كلفظ الصعيد أو صيغة إفعل، أو أن المركب الفلاني، كالجملة الشرطية، ظاهر بحكم الوضع في المعنى الفلاني، وأن الامر الواقع عقيب الحظر ظاهر بقرينة وقوعه في مقام رفع الحظر - في مجرد رفع الحظر دون الالزام، والظن الحاصل هنا يرجع إلى الظن بالوضع اللغوي أو الانفهام العرفي، من ان الاوفق بالقواعد عدم حجية الظن هنا، لان الثابت المتيقن هي حجية الظواهر، وأما حجية الظن في أن هذا ظاهر، فلا دليل عليه، عدا وجوه ذكروها في إثبات جزئي من هذه المسألة ((وهي حجية قول اللغويين في الاوضاع)).

      فإن المشهور كونه من الظنون الخاصة التي ثبت حجيتها مع قطع النظر عن إنسداد باب العلم في الاحكام الشرعية وبعد ذاك تعرض الى ادلة المشهور وناقشها الى ان قال بأن الانصاف هو الرجوع الى قول اللغوي في تعيين الاوضاع بما يوجب الاطمئنان كما اذا كانت المسألة من المسلمات التي يرسلها اللغويين كذلك كما هو  جار في الفقه ايضا واما اذا كان اللغوي مما لا يفيد قوله علما فلا سبيل للتمسك به ثم انه ذكر بأن مورد الحاجة إلى قول اللغويين أكثر من أن يحصى في تفاصيل المعاني بحيث يفهم دخول الافراد المشكوكة أو خروجها وإن كان المعنى في الجملة معلوما من دون مراجعة قول اللغوي، كما في ألفاظ الوطن، والمفازة، والتمر، والفاكهة، والكنز، والمعدن، والغوص، وغير ذلك من متعلقات الاحكام مما لا يحصى.[11]

      والخلاصة: ان الشيخ الاعظم ذهب الى اعتبار قول اللغوي من دون حاجة الى اجتماع شروط الشهادة في ثلاثة موارد الاول: اذا اوجب الاطمئنان وركون النفس كأن تكون المسألة من المسلمات الواضحة واما اذا لم تكن كذلك فلا سبيل الى الاعتماد على قوله.

      والمورد الثاني: في المقامات التي يتسامح فيها لعدم التكليف الشرعي كتفسير خطبة او رواية.

      والمورد الثالث: في مقام انسداد طريق العلم ولابدية العمل فيعمل بالظن بالحكم الشرعي المستند الى قول اللغوي.

 

      *ذكر الشيخ الانصاري في كتابه المكاسب المحرمة ج1 جملة من الموارد التي تطرق فيها الى كلام اهل اللغة نمر عليها موردا موردا لنرى وجه المراد منها وكيف تعامل الشيخ الاعظم معها.

      المورد الاول: في حكم غير عذرة الانسان قال (قده) (( يحرم بيع العذرة النجسة من كل حيوان على المشهور، بل في التذكرة - كما عن الخلاف -: الإجماع على تحريم بيع السرجين النجس. ويدل عليه - مضافا إلى ما تقدم من الأخبار - رواية يعقوب ابن شعيب: " ثمن العذرة من السحت نعم، في رواية محمد بن المضارب" لا بأس ببيع العذرة ". وجمع الشيخ بينهما بحمل الأول على عذرة الإنسان، والثاني على عذرة البهائم.

      ثم ان الشيخ الانصاري وجه الحمل الذي ذهب اليه الشيخ الطوسي بأن الرواية الاولى نص في عذرة الانسان ظاهرة في غيرها على عكس الرواية الثانية ويؤيد ذلك رواية سماعة ((سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام - وأنا حاضر - عن بيع العذرة، فقال: إني رجل أبيع العذرة، فما تقول؟ قال: حرام بيعها وثمنها، وقال: لا بأس ببيع العذرة)فأن سوق حكمين متغايرين في كلام واحد لا يدل الا على التعارض في مقام الدلالة وبهذا تعلم عدم الوجه في الرجوع الى المرجحات السندية المقررة في محلها، ومن ثم اعترض على من حمل خبر الامر على الاباحة وخبر المنع على الكراهة او بحمل خبر المنع على الكراهة كما احتمله السبزواري وابعد منه ما حمله المجلسي من ان خبر المنع على البلاد التي لا يتعارف فيها البيع وخبر الجواز على التي تعارف البيع فيها.

      ثم ان الشيخ الانصاري قال بأن الاظهر ماذهب اليه الشيخ من الحمل لو اريد التبرع به مما يعني ان ماجمع به الشيخ ليس جمعا عرفيا بل تبرعيا وليس المسوغ له الا لان الجمع اولى من الطرح ثم انه وجه الاستدلال على انه لا يمكن الاعتماد على رواية الجواز من عدة وجوه ذكرت مفصلا في محلها, وان لفظ العذرة ان كان ظاهرا في عذرة الانسان كما صرح به اهل اللغة على ما نقله العاملي في مفتاح الكرامة فأن ثبوت الحكم في غيرها ثابت بالاخبار العامة والاجماع.

      وبهذا يكون الشيخ الانصاري قد تعامل مع قول اللغوي ولو على بعض الاحتمالات التي قد تصل الى مرحلة الظهور مما يوجب صرف الرواية عن غير عذرة الانسان لذلك قال بأن ثبوت الحكم في غيرها ثابت بالاخبار العامة والاجماع.

      المورد الثاني: الاخبار الدالة على حرمة مجرد النقش قال الشيخ الاعظم في مسألة تصوير ذوات الارواح بأنها ان كانت مجسمة فلا اشكال في حرمتها نصا وفتوى كذا مع عدم التجسم وفاقا لظاهر النهاية وصريح السرائر والمحكي عن حواشي الشهيد والميسية والمسالك وإيضاح النافع والكفاية ومجمع البرهان وغيرهم والروايات المستفيضة على ذلك قوله عليه السلام: نهى عن تزويق البيوت، قلت: وما تزويق البيوت؟ قال: تصاوير التماثيل وقوله عليه السلام في عدة أخبار: من صور صورة كلفه الله يوم القيامة أن ينفخ فيها وليس بنافخ. وقد يستظهر اختصاصها بالمجسمة، من حيث إن نفخ الروح لا يكون إلا في الجسم، وإرادة تجسيم النقش مقدمة للنفخ ثم النفخ فيه خلاف الظاهر. وفيه: أن النفخ يمكن تصوره في النقش بملاحظة محله، بل بدونها - كما في أمر الإمام عليه السلام الأسد المنقوش على البساط بأخذ الساحر في مجلس الخليفة وعلى هذا فلا يقتصر الحكم على المجسمات فقط ثم ان الشيخ قال والاظهر من هذا كله صحيحة ابن مسلم: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن تماثيل الشجر والشمس والقمر؟ قال: (لا بأس ما لم يكن شيئا من الحيوان)، فإن ذكر الشمس والقمر قرينة على إرادة مجرد النقش. ومثل قوله عليه السلام: (من جدد قبرا أو مثل مثالا فقد خرج عن الإسلام) فإن المثال والتصوير" مترادفان واستند في ذلك الى قول اهل اللغة على ما حكاه الهندي في كشف اللثام عنهم والنتيجة انه لا فرق في الحرمة بين المجسم وغيره.

      والملاحظ فيما ذكره شيخنا الانصاري من انه بعدما ذكر الروايات الدالة على مراده وتعميم حكم التحريم على غير المجسمات ذكر بعدها رواية من جدد قبرا او مثل مثالا ووجها بأن المثال والتصوير شيء واحد واعتمد في ذلك على قول اهل اللغة.

      المورد الثالث: في السحر والمراد منه قال المصنف السحر حرام في الجملة بلا خلاف، بل هو ضروري والاخبار مستفيضة على ذلك ثم بعد ذلك تطرق الى تنقيح موضوع السحر لغة وشرعا وذكر بأن اهل اللغة قد اختلفوا في تعريفه فعن بعضهم بأن السحر هو ما لطف مأخذه ودق، وعن بعضهم: أنه صرف الشئ عن وجهه، وعن ثالث: أنه الخدع، وعن رابع: (أنه إخراج الباطل في صورة الحق).

      ثم بعد ذلك تطرق الى ماذكره الاصحاب وقد اختلفت اقوالهم فيه فعن العلامة في القواعد والتحرير بأنه كلام يتكلم به أو يكتبه، أو رقية، أو يعمل شيئا يؤثر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة وزاد في المسالك: أو أقسام أو عزائم يحدث بسببها ضرر على الغير. وزاد في الدروس: الدخنة والتصوير والنفث وتصفية النفس. ويمكن أن يدخل جميع ذلك في قوله في القواعد: (أو يعمل شيئا). نعم ظاهر المسالك ومحكي الدروس: أن المعتبر في السحر الإضرار. فإن اريد من التأثير - في عبارة القواعد وغيرها - خصوص الإضرار بالمسحور فهو، وإلا كان أعم. ثم إن الشهيدين رحمهما الله عدا من السحر: استخدام الملائكة، واستنزال الشياطين في كشف الغائبات وعلاج المصاب، واستحضارهم وتلبيسهم ببدن صبي أو امرأة، وكشف الغائبات على لسانه ثم بعد ذلك ذكر تعريف صاحب البحار وقال بأنه اعم التعاريف بعدما ساق كلام اهل اللغة الذي هو ما لطف وخفي سببه –وقال بعد ذلك-: إنه في عرف الشرع مختص بكل أمر يخفى سببه ويتخيل على غير حقيقته، ويجري مجرى التمويه والخداع.

      وبذلك يكون الشيخ الأعظم (قده) قد اعتمد على مماذكره اهل اللغة من بيان حقيقة السحر وان ضيقه بعض الاصحاب بدورانه على موارد الاضرار بالمسحور وغيره كالمسخر لانه حبس له والزامه بعدم المخالفة.

      المورد الرابع: في الطرب: قال الانصاري (قده) في هذه المسألة: لا يخفى أن الغناء - على ما استفدنا من الأخبار، بل فتاوى الأصحاب وقول أهل اللغة - هو من الملاهي، نظير ضرب الأوتار والنفخ في القصب والمزمار، وقد تقدم التصريح بذلك في رواية الأعمش - الواردة في الكبائر - فلا يحتاج في حرمته إلى أن يقترن بالمحرمات الاخر، كما هو ظاهر بعض ما تقدم من المحدثين المذكورين. نعم، لو فرض كون الغناء موضوعا لمطلق الصوت الحسن -كما يظهر من بعض ما تقدم في تفسير معنى التطريب- توجه ما ذكراه، بل لا أظن أحدا يفتي بإطلاق حرمة الصوت الحسن. والأخبار بمدح الصوت الحسن وأنه من أجمل الجمال، واستحباب القراءة والدعاء به، وأنه حلية القرآن، واتصاف الأنبياء والأئمة صلوات الله عليهم في غاية الكثرة وقد جمعها في الكفاية بعد ما ذكر: أن غير واحد من الأخبار يدل على جواز الغناء في القرآن، بل استحبابه، بناء على دلالة الروايات على استحباب حسن الصوت والتحزين والترجيع به، والظاهر أن شيئا منها لا يوجد بدون الغناء على ما استفيد من كلام أهل اللغة وغيرهم على ما فصلناه في بعض رسائلنا، انتهى. وقد صرح في شرح قوله عليه السلام: "اقرؤا القرآن بألحان العرب" أن اللحن هو الغناء.

      وأما ما ذكره في كفاية الاحكام من تعارض أخبار المنع للأخبار الواردة في فضل قراءة القرآن فيظهر فساده عند التكلم في التفصيل. وأما الثاني -وهو الاشتباه في الموضوع-: فهو ما ظهر من بعض من لا خبرة له من طلبة زماننا -تقليدا لمن سبقه من أعياننا- من منع صدق الغناء في المراثي، وهو عجيب! فإنه إن أراد أن الغناء مما يكون لمواد الألفاظ دخل فيه، فهو تكذيب للعرف واللغة. أما اللغة فقد عرفت، وأما العرف فلأنه لا ريب أن من سمع من بعيد صوتا مشتملا على الإطراب المقتضي للرقص أو ضرب آلات اللهو لا يتأمل في إطلاق الغناء عليه إلى أن يعلم مواد الألفاظ. وإن أراد أن الكيفية التي يقرأ بها للمرثية لا يصدق عليها تعريف الغناء، فهو تكذيب للحس.

      والملاحظ هنا ان الشيخ الانصاري(قده) جعل قول اهل اللغة دليلا على تنقيح موضوع الغناء الذي هو الملاهي كما ان فتوى الاصحاب دليلا عليه ايضا لانه ساقهما بالعطف المقتضي للمغايرة، ثم بعد ذلك رد على من ذهب الى ان الغناء لايصدق على المراثي بقوله ان هذا تكذيب للغة والعرف......

      المورد الخامس: في الغيبة-حكم مالو كان المقول نقصا ظاهرا:

      في حسنة عبد الرحمن بن سيابة -بابن هاشم- قال، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: الغيبة أن تقول في أخيك ما ستره الله عليه، وأما الأمر الظاهر -مثل الحدة والعجلة- فلا، والبهتان أن تقول فيه ما ليس فيه، وهذه الأخبار -كما ترى- صريحة في اعتبار كون الشئ غير منكشف. ويؤيد ذلك ما في الصحاح من أن الغيبة أن يتكلم خلف إنسان مستور بما يغمه لو سمعه، فإن كان صدقا سمي غيبة، وإن كان كذبا سمي بهتانا.

      وبهذا تعلم ان الشيخ الانصاري جعل قول اللغوي مؤيدا لتنقيح موضوع الغيبة ودورانها على العيب غير المنكشف.

      ثم بعد ان تعرض الى الروايات المستفيضة في المقام الدالة على ان الغيبة هي ذكر العيب المستور قال: فلا إشكال من حيث النقل والعقل في حرمة إذاعة ما يوجب مهانة المؤمن وسقوطه عن أعين الناس في الجملة، وإنما الكلام في أنها غيبة أم لا... فإن ظاهر المستفيضة -المتقدمة- عدم كونهما منها. وظاهر ما عداها من الأخبار المتقدمة، بناء على إرجاع "الكراهة" فيها إلى كراهة الكلام الذي يذكر به الغير، وكذلك كلام أهل اللغة -عدا الصحاح على بعض احتمالاته-: كونهما غيبة. والعمل بالمستفيضة لا يخلو عن قوة، وإن كان ظاهر الأكثر خلافه، فيكون ذكر الشخص بالعيوب الظاهرة - الذي لا يفيد السامع اطلاعا لم يعلمه، ولا يعلمه عادة من غير خبر مخبر - ليس غيبة، فلا يحرم إلا إذا ثبتت الحرمة من حيث المذمة والتعيير، أو من جهة كون نفس الاتصاف بتلك الصفة مما يستنكفه المغتاب -ولو باعتبار بعض التعبيرات- فيحرم من جهة الإيذاء والاستخفاف والذم والتعيير.

      المورد السادس: معنى القمار لغة وشرعا: القمار حرام إجماعا، ويدل عليه الكتاب والسنة المتواترة. وهو -بكسر القاف- كما عن بعض أهل اللغة: الرهن على اللعب بشئ من الآلات المعروفة وحكي عن جماعة أنه قد يطلق على اللعب بهذه الأشياء مطلقا ولو من دون رهن، وبه صرح في جامع المقاصد. وعن بعض أن أصل المقامرة المغالبة...الى ان قال بعد ان ذكر وجوه التعريف في المقام فالاولى- اللعب بآلات القمار مع الرهن. ولا إشكال في حرمته وحرمة العوض، والإجماع عليه محقق، والأخبار به متواترة. الثانية- اللعب بآلات القمار من دون رهن. وفي صدق القمار عليه نظر، لما عرفت، ومجرد الاستعمال لا يوجب إجراء أحكام المطلقات ولو مع البناء على أصالة الحقيقة في الاستعمال، لقوة انصرافها إلى الغالب من وجود الرهن في اللعب بها. ومنه تظهر الخدشة في الاستدلال على المطلب بإطلاق النهي عن اللعب بتلك الآلات، بناء على انصرافه إلى المتعارف من ثبوت الرهن.

      وهنا اعتمد الشيخ في اثبات موضوع القمار على قول بعض اللغويين وهو اللعب بالالات المعروفة برهن ما وترك الاعتماد على اراء بعض منهم الذين صرحوا بالمغالبة او صدق المقامرة حتى مع عدم الرهن.

      والنتيجة ان الشيخ الأعظم (قده) نراه في هذه الموارد وغيرها تارة يعتمد عل قول اللغوي في تنقيح العديد من المواضيع الفقهية وتارة يذكر قولهم كدليل او لااقل مؤيد في صرف ظاهر الرواية وبالتالي تبدل الحكم الشرعي على حسب هذا وتارة اخرى يذكر قول اللغوي كمؤيد بحت للاستئناس فقط على حسب مبناه في المكاسب القائم على تجميع الادلة والمؤيدات بعضها على بعض مما قد يوجب الاطمئنان احيانا وهذه مسألة مختلف فيها كما هو مقرر في محله.

      من الجزء الثالث:

      *هجاء المؤمن حرام بالأدلة الأربعة، لأنه همز ولمز وأكل اللحم وتعيير وإذاعة سر، وكل ذلك كبيرة موبقة، فيدل عليه فحوى جميع ما تقدم في الغيبة، بل البهتان أيضا، بناء على تفسير الهجاء بخلاف المدح كما عن الصحاح، فيعم ما فيه من المعايب وما ليس فيه، كما عن القاموس والنهاية والمصباح، لكن مع تخصيصه فيها بالشعر.

      * وأما البيع بمعنى الأثر وهو الانتقال، فلم يوجد في اللغة ولا في العرف، وإنما وقع في تعريف جماعة تبعا للمبسوط.

      * وقد يستدل أيضا بعموم قوله تعالى: (أوفوا بالعقود) بناء على أن العقد هو مطلق العهد، كما في صحيحة عبد الله بن سنان، أو العهد المشدد، كما عن بعض أهل اللغة، وكيف كان، فلا يختص باللفظ فيشمل المعاطاة. وكذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "المؤمنون عند شروطهم"، فإن الشرط لغة مطلق الإلتزام، فيشمل ما كان بغير اللفظ. والحاصل: أن الحكم باللزوم في مطلق الملك وفي خصوص البيع مما لا ينكر، إلا أن الظاهر فيما نحن فيه قيام الإجماع على عدم لزوم المعاطاة، بل ادعاه صريحا بعض الأساطين في شرح القواعد، ويعضده الشهرة المحققة، بل لم يوجد به قائل إلى زمان بعض متأخري المتأخرين.

      * الأمر الثالث تميز البائع من المشتري في المعاطاة الفعلية مع كون أحد العوضين مما تعارف جعله ثمنا -كالدراهم والدنانير والفلوس المسكوكة- واضح، فإن صاحب الثمن هو المشتري ما لم يصرح بالخلاف. وأما مع كون العوضين من غيرها، فالثمن ما قصدا قيامه مقام الثمن في العوضية، فإذا أعطى الحنطة في مقابل اللحم قاصدا إن هذا المقدار من الحنطة يسوي درهما هو ثمن اللحم، فيصدق عرفا أنه اشترى اللحم بالحنطة، وإذا انعكس انعكس الصدق، فيكون المدفوع بنية البدلية عن الدرهم والدينار هو الثمن، وصاحبه هو المشتري. ولو لم يلاحظ إلا كون أحدهما بدلا عن الآخر من دون نية قيام أحدهما مقام الثمن في العوضية، أو لوحظ القيمة في كليهما، بأن لوحظ كون المقدار من اللحم بدرهم، وذلك المقدار من الحنطة بدرهم، فتعاطيا من غير سبق مقاولة تدل على كون أحدهما بالخصوص بائعا: ففي كونه بيعا وشراء بالنسبة إلى كل منهما، بناء على أن البيع لغة - كما عرفت - مبادلة مال بمال، والاشتراء: ترك شئ والأخذ بغيره - كما عن بعض أهل اللغة- فيصدق على صاحب اللحم أنه باعه بحنطة، وأنه اشترى الحنطة، فيحنث لو حلف على عدم بيع اللحم وعدم شراء الحنطة. نعم، لا يترتب عليهما أحكام البائع ولا المشتري، لانصرافهما في أدلة تلك الأحكام إلى من اختص بصفة البيع أو الشراء، فلا يعم من كان في معاملة واحدة مصداقا لهما باعتبارين. أو كونه بيعا بالنسبة إلى من يعطي أولا، لصدق الموجب عليه، وشراء بالنسبة إلى الآخذ، لكونه قابلا عرفا. أو كونها معاطاة مصالحة، لأنها بمعنى التسالم على شئ، ولذا حملوا الرواية الواردة في قول أحد الشريكين لصاحبه: " لك ما عندك، ولي ما عندي على الصلح.

      * قال في الفاظ الايجاب والقبول: فلنذكر ألفاظ الإيجاب والقبول: منها: لفظ "بعت" في الإيجاب، ولا خلاف فيه فتوى ونصا، وهو وإن كان من الأضداد بالنسبة إلى البيع والشراء، لكن كثرة استعماله في وقوع البيع تعينه. ومنها: لفظ "شريت" لوضعه له، كما يظهر من المحكي عن بعض أهل اللغة، بل قيل: لم يستعمل في القرآن الكريم إلا في البيع وعن القاموس: شراه يشريه: ملكه بالبيع وباعه، كاشترى فيهما ضد. وعنه أيضا: كل من ترك شيئا وتمسك بغيره فقد اشتراه. وربما يستشكل فيه: بقلة استعماله عرفا في البيع، وكونه محتاجا إلى القرينة المعينة، وعدم نقل الإيجاب به في الأخبار وكلام القدماء.

 


[1] - كفاية الأصول - الاخند الخراساني

[2] - في مقام الرد على صاحب الكفاية حيث ذهب الى انه لو اعتبرنا حجية قول اللغوي وسلمنا به فهو غير مفيد اذ لا بد من حصول العدد والعدالة كما هو في مقام الاشهاد والبينة (كفاية الاصول)

[3] - اقول لا تقتصر مهمة اللغوي على نقل ما هو موجود في كلام العرب فقط بل في بعض المطالب غير القليلة يكون هناك اعمال للنظر وبالتالي يدخل اللغوي في مجال اعمال الامور الحدسية ويكون من اهل الخبرة كما هو واضح.

[4] - اقول اذا ادخلنا اللغوي في مصاف اهل الخبرة كما تقرر فالنتيجة اننا لا نحتاج الى شروط الاشهاد من العدد والعدالة وقد ثبت ان هناك بعض الكتب قد ألفت لتبيين حقيقة الوضع في الالفاظ امثال الكشاف للزمخشري ونحوه وبالتالي يتحقق المطلوب في امكان الرجوع الى قول اللغوي بما يوجب الاطمئنان والركون.

[5] - ان تعليل عدم ثبوت الاجماع القولي بأن العلماء لم يتعرضوا له غير تام اذ لعل عدم تعرض الاصحاب له لوضوحه وعدم الخلاف فيه نظير عدم تعرضهم لمبحث النية في العبادة لوضوحها وبساطتها الا ان المتأخرين قد ادخلوا المسألة بأمور دقية عقلية لا طائل من ورائها.

[6]- اقول اذا كان هذا من الامور التي توجب الركون والاطمئنان لدى العلماء وبالتأكيد ان هذا المطلب كان مطروحا عند العامة في عصور الائمة (ع) وبسبب المخالطة انذاك معهم وتأثر البعض بمنهجهم ولا اقل من السؤال في سلوك هذا الطريق الا انه لم يثبت ردع من الشارع على هذا الامر وبالتالي ل ايعلم بوجود طريقة مخالفة للشرع الاقدس والا لبينها.

[7]- مصباح الاصول-تقرير بحث الخوئي للبهسودي-ج1ص129.

[8]- بعد اعتراف جملة من الاصحاب بأن اللغوي من اهل الخبرة في بيان موارد الاستعمالات اللغويه / اقول انه  لو فرضنا ان الناس قد استعملت هذا اللفظ في هذا المعنى واستقر الامر على هذا الحال فما مدخلية الوضع في التأثير على موارد الحكم الشرعي اذ ان الامام صلوات الله وسلامه عليه يجيب السائل على وفق ما يستعمل فيه اللفظ بعد اطلاعه عليه السلام على مراد المستفهم من دون حاجة ان يقول له الامام ع ان هذا اللفظ وضع لكذا وانت استعملته لكذا لانه عليه السلام في مقام بيان ما اراده السائل وتكون الاجابة طبقا لسؤاله حتى وان كان قد استعمل اللفظ في غير ما وضع له بعد علم الامام بذلك بسبب شياع الاستعمال او غيره من الوجوه اذن فلا مدخلية للوضع في المقام كما هو بين.

      نعم ما ذكره السيد السيستاني (دام ظله) على ما في تقرير بحثه -الرافد(ج1ص18) من ان اللغوين يتأثرون بمذاهبهم الفكرية والفلسفية والعقائدية وبالتالي لا سبيل الى الاخذ بقولهم متجه الا انه خارج عن محل البحث لانه على هذا البيان لا يحصل الوثوق بقولهم والمفروض بأهل الخبرة الموضوعية في التشخيص على ان يدعم ذلك بشواهد معتبرة من كلام العرب لا يجاب الوثوق بقولهم.

[9]- ويرد على كلام الشيخ النائيني من انه ان كان من اهل الخبرة فلماذا المنع بعد ان كانت سيرة العقلاء سارية على الاخذ باقوالهم من دون الحاجة الى التعدد اذا اوجب قوله الوثوق وكأن الوجه فيما قاله من باب المصادرة وان لم يكن من اهل الخبرة فلا دليل على اعتبار الركون الى قولهم وان حصل العدد اذ لا دليل على اعتبار العدالة والعدد الا في باب الاشهاد واقامة الحقوق نعم ورد الدليل في اعتبار العدالة في المجتهد وهو دليل خاص في محله.

[10] -فوائد الأصول -النائيني- تقرير بحث الخراساني-ج2ص151.

[11]- فرائد الأصول - الانصاري

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: طلب العلم فريضة.                                                                                                                                                            الكافي

الفيديو

دور التربويين في تحقيق غاية الدين - شيخ ستار الدلفي
2019 / 03 / 24 4576

دور التربويين في تحقيق غاية الدين - شيخ ستار الدلفي

أخر الأخبار

الصوتيات

2018/3/15

سورة الفرقان

2018/3/15

سورة النور

2018/3/15

سورة المؤمنون

2018/3/15

سورة الحج



الصور