بنـو فضّال
قد أدّعي علاوة على وثاقتهم في أنفسهم، وثاقة مشايخهم أيضاً، واستدل على ذلك بما روي عن الإمام أبي محمّد الحسن العسكري (عليه السلام) أنّه قال: خذوا ما رووا، وذروا ما رأوا[1].
واعتمد الشيخ الأنصاري (قدس سره) على هذه الرواية وحكم بصحّة روايات بني فضّال، وقال في أوّل كتابه الصّلاة بعد ذكره مرسلة داود بن فرقد، والرواية وإن كانت مرسلة، إلاّ أنّ سندها إلى الحسن بن فضّال صحيح، وبنو فضّال ممّن أمرنا بالأخذ بكتبهم، ورواياتهم، اعتماداً على الرواية المتقدّمة[2]، وذكر نظيره في مسألة الاحتكار من خاتمة كتاب البيع[3].
وبناء على ذلك فيحكم بوثاقة داود بن فرقد، والإرسال غير ضائر. وقد استشكل السيّد الأُستاذ (قدس سره) في الرواية سنداً ودلالة:
أمّا من حيث السند: فبأنّ هذه الرواية أوردها الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة بهذا السند: عن أبي محمّد المحمّدي، قال: حدّثني أبو الحسين بن تمام، قال: حدّثني عبد اللّه الكوفي خادم الشيخ الحسين بن روح رضى الله عنه ، قال: سئل الشيخ ـ يعني أبا القاسم رضي اللّه عنه ـ عن كتب ابن أبي العزاقر بعد ما ذمّ وخرجت فيه اللعنة، فقيل له: فكيف نعمل بكتبه وبيوتنا منها ملاء؟ قال: أقول فيها ما قاله أبو محمّد الحسن بن علي صلوات اللّه عليهما وقد سئل عن كتب بني فضّال، فقالوا: كيف نعمل بكتبهم وبيوتنا منها ملاء؟ فقال عليه السلام : «خذوا ما رووا، وذروا ما رأوا»[4].
والإشكال في عبد اللّه الكوفي فإنّه لم يترجم في الكتب الرجاليّة، ولم تعلم حاله، فلا يمكن الركون إلى هذا الخبر للجهالة في سنده، ومثله أبو الحسين بن تمام فإنّه لم يذكر بشيء.
وأمّا الإشكال من حيث الدلالة: فلأنّ الرواية في مقام بيان فساد عقيدة بني فضّال، وفساد عقيدتهم لا يستلزم عدم حجيّة الرواية عنهم، لكونهم ثقات في أنفسهم، وأمّا أنّهم لا يروون إلاّ عن الثقات، وأنّ كلّ روايتهم صحيحة، فلا دلالة للرواية عليه[5].
ويحتمل أن يكون المراد أنّ بني فضّال كانوا على الاستقامة، ثمّ تبدّل حالهم إلى الانحراف، وفسدت عقيدتهم، فورد السؤال عن كتبهم الّتي صنّفوها حال استقامتهم، فأجاب الإمام عليه السلام بما أجاب به، فإنّهم وإن فسدت عقيدتهم إلاّ أنّ ما رووه يمكن الأخذ به، وفساد العقيدة لا يضرّ بالرواية، إذ كانوا على الاستقامة في زمانها، وبعد الانحراف تبقى الروايات على حالها من الاعتبار ولا يضرّ بها انحرافهم. ولا تتعرّض الرواية المتقدّمة إلى حكم الأخذ بجميع كتبهم، وروايتهم، وإن اشتملت على ضعف أو جهالة أو إرسال، وعليه فدلالة الرواية قاصرة عن إفادة المدّعى، ويؤيد هذا الاشكال ـ وهو قصور الدلالة ـ ما ذكره الشيخ في العدّة حيث قال: ولأجل ما قلنا ـ أي وثاقة الراوي ـ عملت الطائفة بأخبار الفطحية مثل عبد اللّه بن بكير، وغيره، وأخبار الواقفة مثل سماعة بن مهران، وعلي بن أبي حمزة، وعثمان بن عيسي، ومن بعد هؤلاء بما رواه بنو فضّال، وبنو سماعة، والطّاطريّون، وغيرهم[6]. فالطائفة إنّما عملت بأخبار هؤلاء لأنّهم ثقات لا أنّ جميع روايتهم صحيحة، والّذي يمكن إستظهاره من قول الإمام عليه السلام ـ هو ما أشرنا إليه ـ من قوله عليه السلام: «خذوا ما رووا، وذروا ما رأوا»، يعني أنّ بني فضّال كانوا على الاستقامة، فكانت رواياتهم محلّ اعتماد، ثمّ بعد أن انحرفوا وفسدت عقيدتهم استشكل الشيعة في العمل برواياتهم وكتبهم، فأجاب الإمام عليه السلام بذلك بياناً منه عليه السلام أنّ فساد عقيدتهم لا يضرّ برواياتهم حال استقامتهم. ويؤيد هذا جواب الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح حينما سئل عن كتب الشلمغاني. إلاّ أن يقال إنّ هذا لا ربط له باستقامة بني فضّال وعدمها، وإنّما ورد السؤال عن الكتب بما هي، فأجاب عليه السلام بأنّ كتبهم معتمدة.
والحاصل: أنّ محتملات الرواية ثلاثة:
الأوّل: أنّهم مع من روى عنهم ثقات.
الثاني: أنّ كتبهم معوّل عليها ورواياتها معتبرة.
الثالث: أنّ فساد عقيدتهم وانحرافهم بعد استقامتهم لا يضر بالأخذ برواياتهم؛ ويؤيّد الأخير:
- نفس المورد والمقيس وهو الشلمغاني.
- ما ذكره الشيخ رحمه الله في العدّة، فالرواية ظاهرة في الأخير، وعلى فرض التسليم فهي مجملة لا يصح التمسّك بها.
وعلى أي تقدير فلو افترضنا تماميّة دلالة الرواية على المدّعى، فهي تختصّ بكتبهم وروايتهم، وأمّا مشايخهم وكونهم ثقات، فلا دلالة للرواية على ذلك.
ويبقى الإشكال من جهة السند، فإنّ السيّد الأستاذ قدس سره ناقش في كلّ من عبد اللّه الكوفي والراوي عنه فحكم بجهالتهما.
وإن أمكن أن يقال إنّ عبد اللّه الكوفي هو خادم الشيخ أبي القاسم ولو كان كاذباً لردّه الشيخ، إلاّ أنّ هذا لا يرفع الإشكال، فإنّ الراوي عن عبد اللّه وهو أبو الحسين بن تمام محلّ نقاش ـ كما مرّ ـ وقد ذكره السيّد الأُستاذ قدس سره في غير المقام ، وناقش في وثاقته[7]، إلاّ أنّه نقل في المعجم توثيق النجاشي له، وأنّه من مشايخ الصّدوق، وأنّ طريق الشيخ إليه صحيح، وقد أورد الشيخ الأنصاري قدس سره هذه الرواية في كتاب الرسائل، وعبّر عنها بقوله: ومثل ما في كتاب الغيبة بسنده الصحيح إلى عبد اللّه الكوفي خادم الشيخ... الخ[8] فهو يصحّح الرواية إلى عبد اللّه ومعناه: أنّ أبا الحسين بن تمام معتبر عنده، وهو الصحيح، فإنّ أبا الحسين بن تمام قد وثّقه النجاشي[9]، فلا إشكال فيه، وإنّما الإشكال في جهالة عبد اللّه الكوفي فقط، فإن أمكن ألأخذ بما ذكرنا من التوجيه، فلا إشكال على الرواية من حيث السند، ويبقى الكلام في الدلالة وإلاّ فمن الجهتين.[10]
[1]- كتاب الغيبة: 240، الطبعة الثانية.
-[2] كتاب الصّلاة: 2، الطبعة القديمة.
[3]- المكاسب ـ كتاب البيع: 212، الطبعة القديمة.
[4]- كتاب الغيبة، الطبعة الثانية: 239.
[5]- معجم رجال الحديث: 1: 68، الطبعة الخامسة.
[6]- عدّة الأصول: 1: 381، الطبعة الأولى المحقّقة.
[7]- معجم رجال الحديث: 17: 362، الطبعة الخامسة.
[8]- فرائد الأصول: 87، الطبع القديم.
[9]- رجال النجاشي: 2: 305، الطبعة الأولى المحقّقة.
[10]- أصول علم الرجال ج2 ص 251 - 257