كتاب الاحتجاج
وهو من الكتب الّتي قيل بصحّة رواياتها أيضاً، لشهادة مؤلِّفه في مقدمة الكتاب، حيث قال: «ولا نأتي في أكثر ما نورده من الأخبار بإسناده، إمّا لوجود الإجماع عليه، أو موافقته لما دلّت العقول إليه، أو لاشتهاره في السير والكتب بين المخالف والمؤالف، إلاّ ما أوردته عن أبي محمّد الحسن العسكري عليه السلام فإنّه ليس في الاشتهار على حد ما سواه، وإن كان مشتملاً على مثل الّذي قدمناه ...[1].
وحاصل ما أفاده أنّ روايات الكتاب صحيحة، لأنّها لا تخلو إمّا أن تكون مطابقة للإجماع، أو موافقة للعقل، أو موافقة للشهرة بين المؤالف والمخالف ولذلك حذف أسانيد الروايات لعدم الحاجة إلى ذكرها، إلاّ ما أورده من تفسير الإمام الحسن العسكري عليه السلام.
ويقع البحث في هذه الشهادة ودلالتها، إذ لا إشكال في المؤلِّف، وهو أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي، فإنّه من الأجلاّء الثقات[2].
كما لا إشكال في ثبوت الكتاب ونسبته إلى مؤلِّفه، فإنّ لصاحب الوسائل طريقاً معتبراً إليه.
والتحقيق في دلالة الشهادة أنّها تتضمن أموراً ثلاثة:
الأوّل: الإجماع.
الثاني: موافقة العقل.
الثالث: الشهرة.
أمّا الإجماع: فإن تم كان ذلك موجباً لاعتبار الكتاب، بمعنى أنّ روايات الكتاب إن وافقت الإجماع من المؤالف والمخالف كانت معتبرة، إلاّ أنّ ذلك لم يثبت فإنّ فيه من الروايات ما لا يقره المخالف ولا يوافق عليه.
وأمّا موافقة العقل: فمعناها مطابقة الرواية للمدركات العقلية.
وليس المراد ما تقدّم في أوّل الكتاب من القرائن على اعتبار الروايات، كأصالة الإباحة، أو الحظر، أو الوقف، وإنّما المراد هو صحّة مضمونها بحيث لا يتنافى مدلولها مع المدركات العقلية ولا تعارضها، والموافقة بهذا المعنى لا توجب اعتبار الرواية لأنّ مدلولها وإن كان صحيحاً في نفسه ولا يخالف العقل إلاّ أنّ ذلك لا يدلّ على صدورها عن المعصوم عليه السلام ، إذ أنّنا في صدد إثبات صدور الرواية عنه عليه السلام ، وليس كلّ ما هو صحيح في نفسه صادر عن المعصوم عليه السلام، فإنّ بينهما عموماً وخصوصاً مطلقاً، والموافقة هنا أعم من المدعى.
وأمّا الشهرة: فهي على أنحاء ثلاثة:
الأوّل: الشهرة العملية.
الثاني: الشهرة الفتوائية.
الثالث: الشهرة الروائية.
أمّا النحو الأوّل: فهي موجبة لجبر ضعف الرواية، كما تقدّم الحديث عنه مفصلاً.
وأمّا النحو الثاني: فمحلّ الكلام عنه في علمي الأصول والفقه[3].
وأمّا النحو الثالث: وهو المراد في المقام فإنّ كانت الرواية مطابقة للشهرة بهذا المعنى وأوجبت الاطمئنان فالرواية معتبرة وإلاّ فلا.
غير أنّ الشهرة بهذا المعنى لا تنفع إلاّ في باب التعارض، أي أنّه إذا كان أحد المتعارضين مطابقاً للشهرة دون الآخر قدّم المشهور، وأمّا في غير باب التعارض فليست الشهرة موجبة لاعتبار الرواية أو مرجّحة لها.
واحتمال الشمول لغير باب التعارض بمقتضى إطلاق قوله عليه السلام: «خذ بما اشتهر بين أصحابك»[4]، وقوله عليه السلام: «ينظر إلى ما كان من روايتهم عنّا في ذلك الّذي حكما به المجمع عليه من أصحابك فيؤخذ به...»[5] موهون، والقدر المتيقن هو خصوص باب التعارض، وليست روايات الكتاب واردة في مقام التعارض لنتمكن من الترجيح بالشهرة فيها وحينئذ لا تكون الشهرة المدعاة موجبة لحجّية الرواية.
والخلاصة: إنّ مطابقة الرواية لما دلّت العقول إليه، وموافقتها للشهرة في غير باب التعارض لا يثبتان حجّية الروايات.
على أنّ المؤلِّف ردَّد روايات كتابه بين الأمور الثلاثة، وذلك يوجب عدم الاطمئنان بحجّية جميع روايات الكتاب، فلا يمكن القول بأنّ الروايات صحيحة أو تعامل معاملة الصحيحة، ومع غضّ النظر عن ذلك وافتراض تماميّة هذه الأمور الثلاثة لاعتبار روايات الكتاب إلاّ أنّ موضوع الكتاب خارج عمّا نحن فيه، فإنّ موارد الروايات هي الاحتجاجات لا الأحكام، نعم إذا أوجب نفس الاحتجاج حكماً من الأحكام كان للتصحيح على فرض ثبوته وجه، وإن لم يوجب ذلك بل كان الحكم مستفاداً بالعرض ومذكوراً بالاستطراد فشمول التصحيح له محلّ إشكال.
ونتيجة البحث: أنّ روايات كتاب الاحتجاج بحكم الإرسال ما عدا ما روي عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام من التفسير، وسيأتي البحث عنه تحت عنوان: تفسير الإمام الحسن العسكري عليه السلام[6].
[1]- الاحتجاج: 1: 4.
[2]- أمل الآمل: 2: 17.
[3]- فرائد الأصول: 65.
[4]- مستدرك الوسائل: 17: 303، ب 9 من كتاب القضاء، ح 2. نشر مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث. (المصحح).
[5]- أصول الكافي: 1: 119، ب 21 من كتاب فضل العلم، ح 10. نشر دار الأضواء ـ بيروت. (المصحح).
[6]- أصول علم الرجال ج1 ص 368 – 372